﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأعراف:54].
هذه الآية تدل على أن لله عز وجل الخلق والأمر، وهو معنى ﴿أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾ [الأعراف: 54].
والخلق هو الطبيعة، والأمر هو الشريعة.
وكان لا بد أن يكون لتلك الحقيقة أثر في كل منهما في ذاته وأثر في العلاقة بينهما..
وقد نشأ عن تفسير العلاقة بين الطبيعة والشريعة حقائق منهجية عظيمة كان الإمام ابن القيم أحسن من تكلم فيها، إذ عقد بين الطبيعة والشريعة مقارنات منهجية سجلها في مجموع كتاباته:
- مقارنة بين الطبيعة والشريعة من حيث التعليل والأسباب والحِكم.
- مقارنة بين الطبيعة والشريعة من حيث التعادل والترجيح.
- مقارنة بين الطبيعة والشريعة من حيث الحركة وعدم التوقف.
- مقارنة بين الطبيعة والشريعة من حيث الحسن والقبح.
- مقارنة بين الطبيعة والشريعة من حيث حقيقة البرزخ.
- مقارنة بين الطبيعة والشريعة من حيث حقيقة الفلق.
** مقارنة بين الطبيعة والشريعة من حيث التعليل والأسباب والحِكم:
وفيها يثبت ابن القيم أن الطبيعة والشريعة قائمتان على العلة والسبب والحكمة، ويدلل على ذلك بالأساس المشترك الذي يقوم عليه الفقه والطب، باعتبارهما أصليْ الشريعة والطبيعة.
“يقولون ما ثم إلا محض المشيئة، لا أن بعض الأعمال يبطل بعضها وليس فيها ما هو قبيح بعينه حتى يشبه بقبيح آخر، وليس فيها ما هو منشأ لمفسدة أو مصلحة تكون سببًا لها، ولا لها علل غائية هي مفضية إليها، وإنما هي متعلق المشيئة والإرادة والأمر والنهي فقط.
والفقهاء لا يمكنهم البناء على هذه الطريقة البتة؛ فكلهم مجمعون إذا تكلموا بلسان الفقه على بطلانها؛ إذ يتكلمون في العلل والمناسبات الداعية لشرع الحكم، ويفرقون بين المصالح الخالصة والراجحة والمرجوحة، والمفاسد التي هي كذلك، ويقدمون أرجح المصلحتين على مرجوحهما، ويدفعون أقوى المفسدتين باحتمال أدناهما، ولا يتم لهم ذلك إلا باستخراج الحِكم والعلل، ومعرفة المصالح والمفاسد الناشئة من الأفعال ومعرفة أسبابها.
وكذلك الأطباء لا يصلح لهم علم الطب وعمله إلا بمعرفة قوى الأدوية، والأمزجة، والأغذية، وطبائعها، ونسبة بعضها إلى بعض، تأثير بعضها في بعض، وانفصال بعضها عن بعض، والموازنة بين قوة الدواء وقوة المرض، ودفع الضد بضده، وحفظ ما يريدون حفظه بمثله ومناسبة.
فصناعة الطب وعمله مبني على معرفة الأسباب والعلل والقوى والطبائع والخواص، فلو نفوا ذلك وأبطلوه وأحالوا على محض المشيئة وصرف الإرادة المجردة عن الأسباب والعلل، وجعلوا حقيقة النار مساوية لحقيقة الماء، وحقيقة الدواء مساوية لحقيقة الداء، ليس في أحدهما الخاصية ولا قوة يتميز بها عن الآخر؛ لفسد علم الطب، ولبطلت حكمة الله فيه، بل العالم مربوط بالأسباب والقوى والعلل الفاعلية والغائية، وعلى هذا قام الوجود بتقدير العزيز العليم”. (مدارج السالكين، ص 184، ج 1).
هذا وقد ربط الله الأسباب بمسبباتها شرعًا وقدرًا فجعل الأسباب محل حكمته في أمره الديني والشرعي، وأمره الكوني والقدري ومحل ملكه ومقدراته، فإنكار الأسباب والقوى والطبائع جحد للضروريات، وقدح في العقول والفطر، ومكابرة للحق، وجحد للشرع والجزاء، فقد جعل سبحانه مصالح العباد في معاشهم ومعادهم، والثواب والعقاب، والحدود والكفارات، والأوامر والنواهي، والحل والحرمة، كل ذلك مرتبطًا بالأسباب قائمًا بها، بل العبد نفسه وصفاته وأفعاله سبب لما يصدر عنه، بل الموجودات كلها أسباب ومسببات. والشرع كله أسباب ومسببات والمقادير أسباب ومسببات، والقدر جاء عليها متصرفًا فيها فالأسباب محل الشرع والقدر.
والقرآن مملوء من إثبات الأسباب كقوله: ﴿بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [المائدة: 105].. ﴿بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ﴾ [الأعراف: 39].
فالسببية هي الصيغة الكونية المحققة لحقائق الإظهار والأسباب والوسائط والعلل محل أذكار المتفكرين واعتبار الناظرين ومعارف المستدلين ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ﴾ [الحجر75].
وكم في القرآن من الحث على النظر والاعتبار بها، والتفكّر، وذم من أعرض عنها، والإخبار بأن النظر فيها والاستدلال يوجب العلم والمعرفة بصدق رسله.
فهي آيات كونية مشاهدة في الآيات القرآنية .
** مقارنة بين الطبيعة والشريعة من حيث التعادل والترجيح:
وتحت عنوان التعادل والترجيح في الخلق والشرع، من حيث الأضداد يقول في (شفاء العليل):
فخلقه وأمره على تحصيل المصالح الخالصة والراجحة بتفويت المرجوحة التي لا يمكن الجمع بينهما، وبين تلك الراجحة، وعلى دفع المفاسد الخالصة والراجحة، وإن وجدت المفاسد المرجوحة التي لا يمكن الجمع بين عدمها وعدم تلك الراجحة، وخلاف هذا هو خلاف الحكمة والصواب.
ويقول في التفسير القيّم، ص 293 ـ 296، قول الله : ﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ﴾ [التوبة: 46].
“فقعودهم مبغوض له، ولكن ها هنا أمران مكروهان له سبحانه: أحدهما أكره له من الآخر لأنه أعظم مفسدة، فإن قعودهم مكروه له وخروجهم على الوجه الذي ذكره أكره إليه، ولم يكن لهم بد من أحد المكروهين إليه سبحانه، فدفع المكروه الأعلى بالمكروه الأدنى، فإن مفسدة قعودهم عنه أصغر من مفسدة خروجهم معه؛ فإن مفسدة قعودهم تختص بهم ومفسدة خروجهم تعود على المؤمنين، فتأمل هذا الموضع”.
** مقارنة بين الطبيعة والشريعة من حيث الحركة وعدم التوقف:
“والقصد أن إضاعة الوقت الصحيح يدعو إلى درك النقيصة؛ إذ صاحب حفظه (أي حفظ الوقت) مترقٍ على درجات الكمال؛ فإذا أضاعه لم يبقَ في موضعه، بل ينزل إلى درجات من النقص، فإذا لم يكن في تقدم فهو متأخر ولا بد، فالعبد سائر لا واقف؛ فإما إلى فوق وإما إلى أسفل، إما إلى أمام وإما إلى وراء، وليس في الطبيعة، ولا في الشريعة وقوف البتة” (مدارج السالكين، ص 202، ج 1)
** مقارنة بين الطبيعة والشريعة من حيث حقيقة البرزخ:
وفيها يقول ابن القيم: “وقد جعل الله عز وجل بين كل متباينين برزخًا، كما جعل الموت وما بعده برزخًا بين الدنيا والآخرة، وجعل المعاصي برزخًا بين الأيمان والكفر، وجعل الأعراف برزخًا بين الجنة والنار، وكذلك ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس برزخ من الليل والنهار، ليس من الليل بطلوع الفجر ولا من النهار لعدم طلوع الشمس، وإن دخل في اسم اليوم شرعًا، وكذلك الشبهات هي برزخ بين الحلال والحرام”.
** مقارنة بين الطبيعة والشريعة من حيث حقيقة الفلق:
وفيها يقول ابن القيم: “واعلم أن الخلق كله فلق، والله عز وجل: ﴿فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى﴾ [الأنعام 95]،… ﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ﴾ [الأنعام: 96].
وكما أن خلقه فلق وفرق؛ فكذلك أمره كله فرقان يفرق بين الحق والباطل؛ فيفرق الباطل بالحق كما يفرق ظلام الليل بالإصباح، ولهذا سمي كتابه الفرقان، ونصره فرقانًا لتضمنه الفرق بين أوليائه وأعدائه”
** مقارنة بين الطبيعة والشريعة من حيث الحسن والقبح:
وهو ما ورد في تفسير:﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إلى اللَّهِ﴾ [فصلت: 33] ، فالأحسن هو المأمور، وهو خير من المنهي عنه، وإذا كانت هذه سنته في أمره وشرعه؛ فهكذا في خلقه وقضائه وقدره، فما أراد أن يخلقه أو يفعله كان أن يخلقه ويفعله خيرًا من أن لا يخلقه ولا يفعله، وبالعكس وما كان عدمه خيرًا من وجوده فوجوده شر وهو لا يفعله، بل هو منزه عنه، إذا الشر ليس إليه.
ومن هاهنا قامت الموازنة بين الحسنات والسيئات اعتبارًا بمقتضى العقاب ومانعه، وإعمالاً لأرجحها.
ومضمون هذه المقارنات أن الطبيعة والخلق الكوني صادرة عن نفس القواعد التي يصدر عنها الدين والأمر الشرعي وهي قواعد التعليل والأسباب والحكم، والتعادل والترجيح، والحركة وعدم التوقف، والحسن والقبح؛ مما يحقق توافقًا تامًا بينهما.
ومن هذا التأسيس الذي أسسه ابن القيم بالمقارنة بين الطبيعة والشريعة يمكن استنباط المفاهيم الناشئة عن تلك العلاقة، ونضرب لذلك مثلا ببعضها.
المثال الطبيعي للحقائق الشرعية:وهو أن تكون الظاهرة الطبيعية مثالا للحقائق والأحكام الشرعية؛ مثل قول الله ﴿وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [النحل:9].
يقول ابن كثير: لما ذكر تعالى من الحيوانات ما يُسَار عليه في السبل الحسية، نبه على الطرق المعنوية الدينية، وكثيرًا ما يقع في القرآن العبور من الأمور الحسية إلى الأمور المعنوية النافعة الدينية، كما قال تعالى:﴿وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرا وَرِزْقا حَسَنا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [النحل:67]، وقال:﴿يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ﴾ [الأعراف : 26] . تفسير ابن كثير – (ج 4 / ص 560)
ومن اللباس و التقوى كمثال عام على التوافق بين الطبيعة والشريعة يأتي مثال تفصيلي؛ اللبن والفطرة ..والخمر والغواية؛ حيث يقول الرسول ليلة الإسراء والمعراج «فَأُتِيتُ بِإِنَاءَيْنِ في أَحَدِهِمَا لبَنٌ وَفِي الآخَرِ خَمْرٌ فَقِيلَ لِي: خُذْ أَيَّهُمَا شِئْتَ. فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ فَشَرِبْتُهُ. فَقَالَ: هُدِيتَ الْفِطْرَة أَوْ أَصَبْتَ الْفِطْرَة أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ» متفق عليه.
فعندما يقول جبريل للرسول «أَصَبْتَ الْفِطْرَة» يكون اللبن بهذا النص رمزًا للفطرة، والخمر رمزًا لتغيرها، ومن هنا كان الربط بين اللبن والفطرة، والخمر والغواية وهو الوارد في سورة النحل: ﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنا خَالِصا سَائِغا لِلشَّارِبِينَ﴾ [النحل:66]، والآية تفسر الفصل بين اللبن وبين الفرث والدم، كما يكون الفصل بين الهدى وبين الضلال فلا يختلطان، ثم جاء بعدها قوله : ﴿وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرا وَرِزْقا حَسَنا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ فتبين الآية صورة لفعل الإنسان في تحويل الأشياء عن أصلها وتغير فطرتها مثلما يتحول الهدى بالاختلاف والابتداع عن طبيعته في عقول الناس وأفهامهم، وبالآيتين الأخيرتين يتحقق التقابل بين اللبن والخمر، وهما المثلان الكونيان المضروبان للهدى وللغواية في حديث الإسراء والمعراج.
والذي يؤكد أن هذا هو المقصود من الآية هو قول الله ﴿سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً﴾ [النحل: 67]، لأن السكر هو الخمر, والرزق الحسن هو أكل الثمر قبل أن يصير خمرًا والتعقيب يؤكد ذلك بقول الله -– ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [الرعد: من الآية4] ” ؛ إذ إن التعقيب يتفق مع عبرة تحول الأشياء إلى خمر كبداية للتحريم الشرعي، فالمقصود هو معنى التحويل كأساس للتحريم.
ومن حيث العلاقة بين الفطرة والطبيعة تكون الفطرة هي أصل الطبيعة، ولكن العلاقة بين الطبيعة والشريعة تضيف إلى معنى الفطرة بُعدًا آخر؛ وهي أن الفطرة تكون الصورة الشرعية للطبيعة ويظهر هذا المعنى في الأحكام الشرعية المؤثرة في الطبيعة؛ مثل قول رسول الله : «الْفِطْرَةُ خَمْسٌ – أَوْ خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ – : الْخِتَانُ، والاسْتِحْدَادُ، وَنَتْفُ الإِبطِ ، وَتقلِيمُ الأظفارِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ» صحيح البخاري – (ج 19 / ص 424). طرفاه: 5891 ، 6297 – تحفة 13126.
والملاحظة الثابتة في هذه الخمس أنها ظواهر طبيعية تدخل الشرع فيها ليغير صورتها الطبيعية إلى الصورة الشرعية المحددة بالحكم الشرعي، فالأظافر مثلاً لو تركت بطبيعتها لا تكون فطرة ولكنها إذا قُصت تكون من الفطرة، وبذلك تكون الفطرة هي الصورة الشرعية للطبيعة.
الجمال: وباعتبار صدور الخلق والأمر عن الله – عز وجل – وهو سبحانه جميل؛ كان لا بد أن يكون الخلق والأمر بهذه الصفة، وفي هذا يقول ابن القيم: ” ومن أعز أنواع المعرفة معرفة الرب سبحانه بالجمال، ويكفي في الدليل على جماله أنه لو كشف الحجاب عن وجهه لأحرقت سبحاته ما انتهى إليه بصره من خلقه، ويكفي في الدليل على ذلك أن كل جمال ظاهر وباطن في الدنيا والآخرة فمن آثار صنعته, فما الظن بمن صدر عنه هذا الجمال, ولنور وجهه أشرقت الظلمات
ولمحبته سبحانه للجمال أنزل على عباده لباسًا وزينة تجمل ظواهرهم, وتقوى تجمل بواطنهم فقال: ﴿يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ﴾.
وقال في أهل الجنة : ﴿وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورا وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرا﴾ . فجمل وجوههم بالنضرة وبواطنهم بالسرور, وأبدانهم بالحرير. وقوله في الحديث: «إن الله جميل يحب الجمال» (3) رواه مسلم وأحمد، يتناول جمال الثياب, ويدخل فيه بطريق العموم, والجمال في كل شيء كما في الحديث.
والجمال في الصورة واللباس والهيئة ثلاثة أنواع: منه ما يحمد, ومنه ما يذم, ومنه ما لا يتعلق به مدح أو ذم.
فالمحمود منه ما كان لله, وأعان على طاعة الله وتنفيذ أوامره والاستجابة له, كما كان النبي يتجمل للوفود وهو نظير لباس آلة الحرب للقتال.
والمقصود أن الحديث مشتمل على أصلين أوله معرفة, وآخره سلوك، فيُعرف الله – سبحانه – بالجمال ويُعبد بالجمال الذي يحبه من الأقوال والأعمال والأخلاق, فيحب من عبده أن يجمل لسانه بالصدق, وقلبه بالإخلاص والمحبة والإنابة والتوكل, وجوارحه بالطاعة, وبدنه بإظهار نعمه في لباسه وتطهيره له من الأنجاس والأحداث والأوساخ والشعور المكروهة وتقليم الأظافر، فيعرفه بالجمال الذي هو وصفه، ويعبده بالجمال الذي هو شرعه ودينه, فجمع الحديث قاعدتي المعرفة والسلوك.
التعليقات