من وجهة نظري فإن قضية المكاثرة بالأغلبية العددية؛ كانت من أهم عوامل سقوط وإسقاط بعض الجماعات والرموز التقليدية في الحركة الإسلامية .. ولا تكمن خطورة هذه القضية في كونها نوع من الاستكبار فحسب والذي يجب على الحركة مواجهته أصلا كمبرر أساسي من مبررات وجودها، ولكن خطورتها تكمن في عدم وجود رؤية ﻹدارة تلك الكثرة ..
ونسيت تلك القوى مع أنها إسلامية أن دعوى المكاثرة تلك التي ذمها الله يوم قال في الذكر: “ألهكم التكاثر حتى زرتم المقابر” فزرناها والله بالألوف والمئين بفضل خبال عقولهم ودحضية حججهم وسقم رؤاهم وخطل قراراتهم، وهي نفس الدعوى المتسائلة التي حاج بها المشركون الله ورسوله يوم قالوا: “من أشد منا قوة”؟ ، “أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة”؟ ، وهي نفس دعوى صاحب الجنتين البائدتين حين قال: “أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا” ، القوم مكاثرونا إذن: “وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين” ..
ولم تكن بعض تلك القيادات والجماعات تدرك أنها رغم كثرتها وأغلبيتها العددية وحاضنتها الشعبية؛ أنها خرجت من فترة إنهاك دكتاتوري مستذلة ومدمرة، كرست العجز والترهل واليبوسة في مفاصلها الحركية وقواعدها التحتية من جهة، كما أنها أورثتها الزهايمر في عقلها وتصوراتها من جهة أخرى ..
كما لم تكن تلك الأغلبية المترهلة تدرك أنها أمام أقلية فاعلة أو على أقل تقدير مفعلة ممن يستطيع إدارتها .. ولما كانت التجارب تسقط بالواقع في النفوس والمجتمعات كما كان يكرر العلامة رفاعي سرور فيلسوف الحركة الإسلامية المعاصرة، فقد عمدت القوى الجاهلية المجرمة للسماح بتنصيب جزء من تلك القوى العاجزة المنتمية للحركة الإسلامية في سدة الحكم، واستغلال تلك الحالة لإسقاطها في محاولة ﻹسقاط الفكرة والعقيدة والهوية للأمة كلها ..
وقد كان البعض يظن أن المحنة الدامية التي شهدتها الحركة الإسلامية ومازالت؛ قد طورت من هذه الرؤية وقومت نظرية المكاثرة هذه، وبالتالي تقويم ما ينبني على ذلك من عجزها وقصورها الحركي، ثم فوجئ بأنها مازالت كما هي وبعد عام ونصف من الكفاح المضني والتضحيات المريرة، والمشكلة في تصوري تكمن في أن المحنة لا يمكن أن تكفي للقيام يهذا الدور وغاية ما قد تقدمه هو كشف هرم واهتراء تلك القيادات والجماعات، والتي راحت تبرر فشلها بالفشل نفسه في عجيبة هي أم نوعها في الحقيقة ..
وماسبق يبرر ممارسة نفس تلك القيادات المستغفلة والجماعات العاجزة والتي مازالت تتحدث عن” حجمها” و”وجودها على الأرض” و”كثرتها” وتعير غيرها كالجبهة السلفية مثلا بأقليتها ومحدوديتها -من وجهة نظرهم طبعا- متناسية أن هذه الأقلية كانت أسبق رؤية وأصدق قيلاً مدة أربعة سنوات خلت منذ نشأتها ومتناسية أن أقلية كهذه الأقلية لكنها علمانية هي من أسقطتهم وذبحتهم في الشوارع بالأمس بالتحالف مع العسكر وشوهت صورتهم أمام المجتمع بل والعالم كله، وهي الأقلية التي مرغت أنوفهم في الوحل في رجائهم الملح والذليل لها للتوافق معها بأية طريقة ..
المفارقة أن نفس تلك القوى العلمانية كانت تفتخر فترة ما بعد الثورة بمشاركة “أقليتنا كجبهة” لها في أحداث مسرح البالون ومحمد محمود ورئاسة الوزراء وكشوف العذرية والهتاف ضد العسكر وغيرها، بل إنني أكشف سرا لأول مرة أن قيادة يسارية كبرى طلبت مني شخصيا انحياز “أقلية” الجبهة السلفية لجبهة الإنقاذ قبل الانقلاب العسكري بشهرين ولكنني رفضت ذلك فورا وقلت ما قلت ساعتها، فما كان لولي شريعة رسول الله أن يجتمع وعدها في صعيد واحد إلا نزاعا لا وافقا .. القوم إذن لم يتعلموا الدرس ..
التعليقات