أمن الدولة “الوطني” !!

هاجت في الآونة الأخيرة هائجة جديدة في مصر يمكن أن نسميها “بهوجة أمن الدولة” إذ بدى وكأنه قد تذكر الإسلاميون فجأة شيئاً كان قد سقط منهم فعادوا لالتقاطه !!

مع أن ما تذكروه لم يكن من الممكن أن يُنسى أصلاً، إذ كيف تنسى الدماء والأشلاء والليالي السوداء؟! ولكن يبدو أن سدنة المعبد الكائن بمدينة نصر والمنتشر كالسرطان أو أذرع الأخطبوط في كل ربوع مصر أرادوا أن يختبروا مرة أخرى مدى قدرة العقل الجمعي للقوى الإسلامية على التذكر بعد أن خبروا جيداً مدى قابليته للنسيان؛ وما بين النسيان والذكرى تكمن دراسة جديدة ـ ربما تمهيداً لمرحلة جديدة ـ لإمكانية التحرك بشكل منظم وواع ومدى قدرة “التيار الثالث في الحركة “ ـ إن جاز التعبير ـ على الحشد والهجوم بما يكافئ الفعل في هذه المرحلة وربما أشد في مراحل قادمة.

وفيما طاشت اتهامات هنا وهناك عبر بعض قنوات المسيح الدجال لترسم نظرية مؤامراتية بامتياز بين الإخوان وبعض القوى السلفية المُستغلة والمستغفلة، ووسط استنكارات من جماعات المركز التقليدية، ووساطات من شيوخ الحركة القدامى الذين أراد الجهاز الجديد القديم أن يوسطهم لحسن نيتهم “لحل الأزمة” !! فطلب منهم التفاوض مع القياادات الشابة التي دعت للتحرك الحاشد في ظرف يوم واحد للرد على الاستفزازات الجديدة التي طرأت في العلاقة بينهم وبين الجهاز الأمني الأشد خطورة ورهبة في قلوب المصريين.

وفي لفتة واعية من الشباب الذين أدركوا :

أولا:  أن أمن الدولة “الوطني” يجس نبضهم بتلك الاستفزازات من جهة

وثانياً: أن التحرك ضروري وفوري من جهة أخرى كما أدركوا رغم حداثة سنهم أن التفاوض هو محض محاولة لإجهاض الحركة وليس رغبة حقيقية في الحل ومنع عودة الأمور إلى الوراء، فأرجئوا اللقاء الممنشود إلى ما بعد الزيارة الودية لشرب الشاي مع الباشاوات كما طلبوا ممن استدعوهم ، أو لمواجهة التهديدات كما وجهت لمن هددوهم.

ليس افتعالاً إذن وإنما حقيقة أن جهات امنية دأبت على تهديدي شخصياً لما يقرب من عشرين يوماً كما هددت المهندس ”  أحمد مولانا “  والدكتور ” محمد جلال “  وآخرين وليس ادعاءً استدعاء “حسام أبو البخاري “  و “مصطفى البدري “  و “عبد الرحمن سليمان “  وغيرهم من نفس الأرقام الهاتفية القديمة لجلاديهم القدامى ..

جاءت استجابة التيار الوليد الذي مازال يتشكل في رحم الثورة المصرية أسرع من المتوقع وفي ساعات قليلة انطلقت الحشود الهادرة لترسل رسالة أن تكلفة دعوة الشاي ستكون باهظة

جاءت استجابة التيار الوليد الذي مازال يتشكل في رحم الثورة المصرية أسرع من المتوقع وفي ساعات قليلة انطلقت الحشود الهادرة لترسل رسالة أن تكلفة دعوة الشاي ستكون باهظة خاصة إذا استجاب لها عشرات الآلاف والتي كانت منظمة إلى حد كبير رغم عدم التمهيد الجيد لها كما كانت سلمية بنسبة كبيرة رغم ما تخللها من مخالفات لا نعرف تحديداً من المسئول عنها بل إن بعضهم هددوا من أرداوا أن يصرفوهم في نهاية الزيارة من الشخصيات الرئيسية الداعية لها.

وبدى أن الرد الذي كان متوقعاً لم يستغرق كثيراً من الوقت فقد رد الجهاز ـ فيما يبدو ـ بعدها بحوالي أسبوع باعتقال مجموعة مكونة من ثلاثة أشخاص من شباب الجهاديين ـ كما زعموا ـ في الإسكندرية بتهمة حيازة مواد مصنعة للمتفجرات والاتصال بالقاعدة والاستعداد لعمليات في مصر!!

هكذا بمنتهى البساطة في بلادنا وفيها فقط تكتشف خلايا القاعدة السرية العابرة للبحار والقارات بينما لا تكتشف ميليشيات البلاك بلوك العلنية المحلية المدمرة للمنشآت والإنسان!!

هي إذن رسائل عدة بالبريد السريع من جهاز أمن الدولة الوطني إلى من يهمه الأمر:

نحن نعمل على أمن الوطن من الإرهاب والإرهابيين

الإرهاب إسلامي وخطير

تحركاتنا كما هي قبل الفجر والاعتقال غير قانوني والتهم جاهزة!!

ثم يخرج سيادة الوزير في اليوم التالي مباشرة ليظهر نتيجة التحقيقات ـ التي لا يدري أحد كيف انتزعت ولا أين ـ ويصدر الحكم فيها كما لا ينسى أن يعرج على قضية الضباط الملتحين ليكرر التحدي لهم وكأنهم أعداء الوطن لا حماته!!

لماذا قامت ثورة يناير 2011م إذا كان أبناؤها سيعودون تحت سطوة الظلم والقهر والعدوان مرة أخرى؟!

لا بد من إعادة هيكلة للجهاز من عناصر جديدة غير متورطة في جرائم الماضي؛ و بناءً على لائحة عمل وطنية جديدة تحكمها لائحة تشريعية حاكمة وتحت رقابة من لجنة تابعة للأمن القومي يتم تشكيلها من جهات سيادية وقانونية وحقوقية وبرلمانية ووضع الآليات التي تمكنها من ضبط أية مخالفات تصدر عن الجهازسواءً كانت ممنهجة أو فردية، وإلا فلماذا قامت ثورة يناير 2011م إذا كان أبناؤها سيعودون تحت سطوة الظلم والقهر والعدوان مرة أخرى؟!


التعليقات