الوديعة والخديعة

تعاني البلاد أوضاعاً اقتصادية غاية في الصعوبة فبعد أن أعلن وزير المالية السابق حرصه على عدم المساس بوديعة حرب الخليج إلا للضرورة التي يبدو أن ساعتها قد حانت سريعاً، فقد أعلن نفس الوزير أن حكومته ستستخدم الوديعة الاستراتيجية إن جاز التعبير؛ تلك الوديعة التي أنكر البعض وجودها من قبل بينما زعم آخرون أنها مملوكة لمؤسسة العسكرية، أو أن نظام مبارك قد سرقها فيما سرق، بينما جزم آخرون أن استخدامها سيعني الوصول لمرحلة الانهيار الاقتصادي وإعلان الإفلاس وهو ما صرح به بالفعل وزير التجارة والصناعة في الحكومة السابقة والحالية!!

والعجيب أن حكومة الببلاوي قررت انتهاج سياسة توسعية في المشروعات والاستثمارات الحكومية أو ما يعرف بالخطة التحفيزية الأولى، واعتمدت ضخ كميات كبيرة من النقد في السوق لإعطاء شعور بالرواج الاقتصادي ومحاولة توفير فرص عمل ولكن هذه السياسة تحتاج إلى موارد كبيرة جداً لا تكافئها الموارد الداخلية المحدودة للغاية كما لم يعد ممكناً توفيرها من الدين المحلي.

 أدت هذه السياسة إلى أزمة حقيقية وهي زيادة عجز الموازنة بسبب البطء الشديد في النمو والفارق الكبير بين المصروفات والواردات خاصة مع ارتفاع الدين العام ومعدلات البطالة

وقد أدت هذه السياسة إلى أزمة حقيقية وهي زيادة عجز الموازنة بسبب البطء الشديد في النمو والفارق الكبير بين المصروفات والواردات خاصة مع ارتفاع الدين العام ومعدلات البطالة؛ ليصل هذا العجز إلى ٢٤٠ مليار جنيهاً في نصف العام المالي الماضي أي حوالي 14٪ من إجمالي الناتج القومي، وهو الأمر الذي أنكرته حكومة الببلاوي التي لم تمتلك من حلول إلا إعلان تخفيض الدعم الحكومي بنسبة 25% وتخفيض بطاقات التموين، قبل محاولة السيطرة على هذا العجز في الموزانة عن طريق ضخ المساعدات الخليجية وفك وديعة حرب الخليج لينخفض إلى حوالي ٢٠٠ مليار جنيه، أي ١٠٪ فقط من الناتج المحلي.

وبالنسبة لحزمة المساعدات الخليجية فإن جزءً منها هو منح لا ترد يسد بعضاً من العجز في الموازنة العامة بشكل مباشر، بينما الجزء الآخر من المساعدات هو قروض بشروط ميسرة وفوائد قليلة بما يقلل تكلفة الدين وبالتالي يقلل من عجز الموازنة أيضاً، بينما الجزء الآخر من المساعدات فهو مقدم من الإمارات بقيمة ٤٫٩ مليار لتمويل باقي المشروعات التوسعية المذكورة وتنشيط الاقتصاد خلال العام المالي الحالي؛ بالإضافة لنصف وديعة حرب الخليج ويبلغ حوالي ٤٫5 مليار دولاراً؛ بينما يستخدم نصفها الآخر في سد جزء من العجز في الموازنة بشكل مباشر وخفض الدين العام خاصة أنها ليست جزءً من الاحتياطي كما أثبتت تقارير البنك المركزي الدورية وتصريحات الحكومات المتعاقبة و وزارة المالية.

وديعة حرب الخليج لمن لا يعرفها هي حزمة المنح والمساعدات التي قدمتها دول الخليج لمصر بقيمة ٥ مليار دولاراً لمشاركتها فى حرب الخليج الأولى عام 1990م لحل الأزمة الاقتصادية الخانقة آنذاك

ويعد استخدام هذه الوديعة دلالة قوية على مدى تردي الأوضاع الاقتصادية كانعكاس مباشر لتعقيد المشهد السياسي منذ أحداث ثورة يناير المجيدة والتي بلغت ذروتها في 3 يوليو الماضي وحتى الآن، فوديعة حرب الخليج لمن لا يعرفها هي حزمة المنح والمساعدات التي قدمتها دول الخليج لمصر بقيمة ٥ مليار دولاراً لمشاركتها فى حرب الخليج الأولى عام 1990م لحل الأزمة الاقتصادية الخانقة آنذاك، وكعربون لتوثيق العلاقات بين الطرفين, وقد تقرر عدم إدراجها في الاحتياطي النقدي لكي لا يلتهمها العجز، فتم وضعها في حساب خاص بالبنك المركزي تحت سلطة رئيس الجمهورية وليس لحساب الجيش أو المؤسسة العسكرية، على أن يتم استثمارها كاحتياطي للأجيال القادمة؛ حتى بلغت في الوقت الحالي ما يقارب ٩ مليارات دولاراً..

ويعد هذا الاختيار طبيعياً في ظل فشل حكومي غير مسبوق وعدم وجود أي أفق تنموي واضح، فقد شهدت معدلات النمو أدنى مستوياتها منذ سنوات فلم يتجاوز معدل النمو 1% بينما استمر انهيار الاحتياطي النقدي وارتفعت معدلات التضخم وازدادت الأسعار كما انخفضت السياحة بنسبة غير مسبوقة، وأغلقت العديد من المصانع و الشركات ليُشرد العاملين بها مما أدى لارتفاع معدلات البطالة، بينما يزداد سعر الدولار بشكل تصاعدي.


التعليقات