لستم شعب الله المختار

لا يجادل عاقل سواء كان مخالفاً أم موافقاً أن الحركة الإسلامية مازالت هي الرقم الصعب في معادلة القوى الشعبية والسياسية في الواقع المصري المائج والمضطرب، وذلك رغم كل الإخفاقات والتعثرات التي وقعت فيها الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية الممثلة سياسياً في الفترة الماضية وعدم مواكبة أغلب فعالياتها للحراك المجتمعي والشعبي في مرحلة “العمليات الثورية المستمرة” ما بعد يناير.

 فالحركة الإسلامية من وجهة نظري قد تخبو حيناً ولكنها أبداً لا تنطفئ وقد تتراجع خطوة لتقفز خطوات

ورغم مزاعم البعض أن الناس صوتوا للإسلاميين لأنهم “بتوع ربنا” أو لأنهم منحوهم بعض اللحم والزيت وليس لمشروع الشريعة الذي يحملونه، ورغم مراهنة آخرين على تقلص حصة الإسلاميين في أي معترك سياسي قادم، إلا أن كل هذا ليس فيه ما يقلق في الحقيقة فالحركة الإسلامية من وجهة نظري قد تخبو حيناً ولكنها أبداً لا تنطفئ وقد تتراجع خطوة لتقفز خطوات؛ فالأمة المصرية والشعب المصري ديّنُ بطبعه يحب الدين والمتدينيين، وهو ينتقدهم إن أخطأوا ولكنه سرعان ما يسامحهم وينسى أخطائهم وقد ينقاد للدعاية المضادة أو يتشتت بفعلها إلا أنه يعاود سيرته القديمة ببساطة وفطرية متناهية.

وفي ظني أنه ليس عيباً أن يخطئ بعض الإسلاميين فبشريتهم تحيل القداسة وتنفي العصمة ولكن العيب أن يزعموا هم لأنفسهم أو يزعم لهم أحد أنهم لا يخطئون أبداً بلسان الحال أو المقال وأشد خطأ من هذا أن يبرروا لأنفسهم أو يبرر لهم احد أية نقيصة أو خطيئة أو حتى جريمة يقع فيها أحدهم فإن هذا ربما يعود في الحقيقة بما ينزع هيبة الدين نفسه ومحبته وتوقيره من قلوب بعض عباد الله.

إن نشوء الحركة الإسلامية كان استجابة لتحديات هائلة أصابت الأمة وكادت أن تهدد وجودها كإسقاط الخلافة وتضييع الشريعة

إن نشوء الحركة الإسلامية كان استجابة لتحديات هائلة أصابت الأمة وكادت أن تهدد وجودها كإسقاط الخلافة وتضييع الشريعة، ورغم أنه من المفترض أن كل مسلم هو إسلامي بالأصالة إلا أن فئاماً من أبناء الأمة اعتنقوا مناهج مجافية للدين وإن تضمنت بعض محاسنه والأنكى من هذا أن بعضهم زعم لها الأفضلية على المنهج الإلهي القويم بينما تبني أولئك الإسلاميون دين الله كمرجعية للحكم ومنهجاً للحياة؛ كل ذلك هو ما افترق حوله الناس إلى إسلامي وغير إسلامي.

وقد واجهت الحركة الإسلامية عقوداً من القهر والحجر والعسف بل والسجن والقتل لتنحيتها عن ممارسة دورها الريادي وتوجيه الأمة في الاتجاه الصحيح من وجهة نظرها، إلا أنه من الواضح أنها لم تستسلم وواصلت النمو والتقدم واجتذاب القطاعات الأوسع من الناس مع عدم توفر أيا من العوامل الموصلة إلى هذا الهدف إلا توفيق الله ونصرته وتلك الروح السارية في الأمة.

لابد للحركة الإسلامية من إعادة التمفصل وتدشين ثورة التنوع في العلوم والمناشط وكذلك تكريس التخصصية وعدم خلط المهام بين كوادرها

ولكن الحالة الإسلامية لم تسلم في مسيرتها الأليمة تلك من محاولات الاختراق والتحييز ، ولن تستطيع الحركة استكمال مسيرتها إلا بعد أن ينفي الصف الإسلامي خبثه وذلك لن يكون إلا بالانسياح للأمام في مسارها التقدمي الرسالي الجارف كحركة تغييرية وليست ترقيعية ولا منبطحة وبذا تنفي الاختراق.
كما لا بد لها من الخروج من حيز الانعزال عن الناس أو الاستعلاء عليهم فلسنا شعب الله المختار، والمقصرون نحن منهم وبهم وأبنائهم وبعضهم والتقصير وارد علينا مثلهم ولا نجاة لنا في الدنيا والآخرة إلا بنجاتهم، فلابد للحركة أن تمل من التقوقع عند شريحة الطبقة البرجوازية وأبناء الطبقة الوسطى وكذلك المرحلة الطلابية فحسب فقد خسرت بسبب ذلك أكثر مما ربحت، ولابد أن تتجه إلى طبقة العمال والفلاحين وتنزل بينهم وتتظاهر وتعتصم من أجل مطالبهم.

ولابد للحركة الإسلامية من إعادة التمفصل وتدشين ثورة التنوع في العلوم والمناشط وكذلك تكريس التخصصية وعدم خلط المهام بين كوادرها.

أخيراً:

على الحركة أن تكف أيدي البسطاء والسذج والعابثين بمقدراتها من أولئك الذين يروجون لها المخدرات الفكرية أو الهلاوس السمعية أو يشيعون “فقه القات” في العقلية الإسلامية كإشاعة ثقافة الجن والسحر والأعشاب والمتعة وارتباط المشيخة بالتعدد بحيث يصير شيخاً أكثر من يتزوج أكثر وهكذا. ورغم أن كل ما ذكرت هو حق ومذكور في دين الله ولكن العتب فيه على التضخيم وقلب الأولويات وإخماد فعالية وصحوية الشخصية المسلمة.


التعليقات