أفلحت الأنظمة المستبدة والنخب العالمانية في بلادنا أن تقنع الشعوب المسلمة أن الشريعة التي يدعوا إليها الإسلاميون هي جبل ضخم من اجتهادات مغلوطة للشريعة يريدون أن يلقوها على كاهل الأمة وجماهيرها ليرتاحوا من عبئها أو على الأقل لينفذوا إرادتهم أياً كانت العواقب ـ هذا إن كانوا يقدرونها أصلاً ـ حتى لو تعطلت مصالح الناس أو تعقدت معايشهم، بل تراهم يتحدثون عن شريعة الإسلام وكأنها شريعة الغاب؛ فهي ـ بزعمهم ـ إنما جاءت بالحدود وقطع الهامات والأيدي والأرجل من خلاف، أو يلخصون الشريعة الغراء في الخمر والمايوه وَيَسِمُونَها بالجمود والتابوه!
وكأنها شريعة هولاكو لا شريعة الله الودود الرحيم. وهم في كل ذلك ينسون أو يتناسون أن الله هو الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف!!
!وكأنها شريعة هولاكو لا شريعة الله الودود الرحيم. وهم في كل ذلك ينسون أو يتناسون أن الله هو الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف!!
وكل هذا إنما هو ميراث نكد لركام الفساد الجبري الذي عشش في رأس البلاد مائة عام أو زيادة غيبت فيها شريعة الرحمن عن الحياة، ووسوسة إعلام أتقن النمطية ويجيد التخييل للناس لإيهامهم أن العصي والحبال حيات تسعى وأعجب من هذا أنهم يكذبون الكذبة ثم يكررونها حتى التصديق، وربما دسوا للناس زعماء جماهيريين وقادة ملهمين ليقودوا الحراك الديماجوجي الذي أزعج أفلاطون في ديمقراطية أثينا القديمة والذي دفع برجل في حجم عباس العقاد أن يعتزل العمل السياسي حين تولى مصطفى النحاس رئاسة الوفد بعد سعد زغلول.
وعجيبة ومن عجائب الدهر أن القوم قد جعلوا لنا الديمقراطية ديناً حتى صار دارجاً على ألسنتهم سؤال ملح وهو: هل تؤمن بالديمقراطية؟ بينما يأبون علينا أن نؤمن بالشريعة وهي من عند الله؛ والتحاكم إلى الله ورسوله هو من الطاعة الواجبة والطاعة من الانقياد والانقياد هو شطر الإيمان العملي فما لقومي كيف يحكمون!!
التحاكم إلى الله ورسوله هو من الطاعة الواجبة والطاعة من الانقياد والانقياد هو شطر الإيمان العملي فما لقومي كيف يحكمون!!
وإن في الديمقراطية لخيراً وشراً؛ فحرية الاختيار وتداول السلطة وحق الشعب في تولية حكامه ونوابه أو عزلهم ومحاسبتهم إلى غير ذلك من معاني الحرية والعدالة ورفض الظلم والدكتاتورية؛ كل ذلك خير وقد اشتملت الشريعة على أفضل منه ولولا تحسين الشارع له ما كان حسناً وهذا وجه قبوله أصلاً.
لكن حملة الشريعة وإن كان كثير منهم قد ارتضى الممارسة السياسية على أساس المشاركة، ولكن هذا لا يعني أن يفرطوا في ثوابتهم أو يتخلوا عن مبادئهم. ولذا فلابد أن نرفض إضفاء القداسة والمرجعية لغير الشريعة بطبيعتها الإلهية الربانية والفرق بين تصورنا لهذا الأمر وبين تصور العالمانيين هو نفسه محك الاختلاف بين فلسفتنا وفلسفة دعاة الدولة الثيوقراطية أو الدينية الكنسية، ويتلخص في اعتقادنا بقدسية المنهاج والشريعة لا الأشخاص الذين يحملونهما.
وفي تقديري أن الحركة الإسلامية أخطأت عندما ركزت لعقود طويلة جداً عند حدود المعركة التي أراد لهم خصومهم أن يتوقفوا عندها، فإن كانت قضية الحكم بما أنزل الله قد فرضت فرضاً على ساحة الصراع رغم الحرص الشديد على تغييبها إلا أن أعداء الشريعة قد ارتضوا شاءوا أم أبوا أن يمنعوا تمددها لأبعد من هذا المدى، وكان من الواجب أن تتقدم الحركة الإسلامية لترسخ القاعدة الثانية من قواعد الصراع وهي قاعد الشريعة كواجب وكحق في آن للناس كل الناس بعمومهم لا المسلمين منهم فحسب.
فإن المتأمل لقضية التحكيم وما شجر حولها يكاد يستيقن ان الحركة الإسلامية في عمومها الكاسح قد ارتكزت عند نقطة الحق الإلهي بالتشريع ولكنها لم تقاتل بنفس الشراسة لتثبت الحق الإنساني والبشري منه خاصة في التحاكم إلى هذه الشرعة فليست هي واجبة التطبيق و التنفيذ على الناس فحسب بقدر ما هي حقهم أيضاً، فلا بد أن يستفيدوا منها كمنظومة سياسية وقانونية واقتصادية واجتماعية وعسكرية إلى غير ذلك وما قد تحققه لهم من رخاء ونماء وأمن وأمان بل وما يحفظ لهم كرامتهم وحياتهم وقوت يومهم، وما هو أشمل منه مما نتناوله بعد بحول الله وقوته عند حديثنا عن المنظومة القانونية والتشريعية ـ بمعنى سن القوانين والقضاء بها ـ في الشريعة الغراء.
التعليقات