عنف فكري وأقلية ديكتاتورية

لم تزل رحى الحرب دائرة في مصر الثورة، في موجتها الثالثة وليست الأخيرة، فبعد أن أصدر الرئيس محمد مرسي إعلانه الدستوري المثير للجدل بحق أو بغير حق تشكلت جبهة معارضة عجيبة متراكبة ومتشابكة الأيدي والأغراض قوامها بعض من انتسبوا يوماً للثورة وعقولهم وشبابهم وفلول النظام السابق وأموالهم وبلطجيتهم، في موزاييك لا يمكن أن تجده إلا وقد صنع في مصر!!

جاء الإعلان الدستوري في صياغة مهلهلة وركيكة مليئة بالثغرات؛ من عينة تحصين قرارات رئيس الجمهورية مثلاً وهو ما عاد ليفسره في لقاءه مع القضاة بأنه يقصد القرارات السيادية فقط!! وهو ما سوغ للمعارضة اتهام الرئيس “بلعنة الفراعنة” ومحاولة علاجة منها، مع أنه كان لا يحتاج إلى هذا النص إذ أن المحكمة الإدارية تحصن القرارات السيادية أصلاً وهي الجهة التي تفصل في كونها كذلك من عدمه، وكذلك تمديد فترة اللجنة التأسيسية لشهرين مع تحصينها ضد أحكام القضاء مع انها كانت بالفعل قد انتهت من عملها ولم تكن تحتاج إلى هذه المدة ولا تلك الحصانة، واشتمل الإعلان على تحصين مجلس الشورى كذلك دون تفسير السبب وهو انتقال التشريع إليه بعد الاستفتاء على الدستور مما ينفي تهمة الاستئثار به عن الرئيس أصلاً.

ولأن القرار جاء كردة فعل لمعلومات توافرت عن قرب إسقاط المجلس واللجنة و”البلد” والدخول في حالة فراغ كاملة؛ فقد تم إصداره دون أن تكون هناك “بيئة مناسبة للقرار” ولا “اطمئنان مواتي للقرار” كما يقول متخصصوا العلوم السياسية، فقد صدر دون أن يستشير الرئيس أحداً من مستشاريه ومساعديه وفي وقت اشتعلت فيه أحداث محمد محمود الثانية بغض النظر عمن أوقد أوارها ولماذا؟ ناهيك عن تململ الشارع من تأخر قرارات الحسم والأزمة الاقتصادية الخانقة وأداء الحكومة المشلول.

وكنت ومازلت أقول:

أن الأقلية العلمانية في بلادنا صارت فاعلة وان أغلبيتنا الإسلامية مازالت مترهلة؛ وقد اتضح هذا التفاوت في الفعاليات الأخيرة بصورة لا تدع مجالاً للشك فقد استطاع تحالف “الثوار/الفلول” الذي افتخر البرادعي للفاينشيال تايمز بتدشينه لإسقاط النظام ذي المرجعية الإسلامية؛ أن يحشد كثيراً من الشباب الغاضبين ممن انتسبوا يوماً للثورة وكثيراً من الأقباط المخوفين وكتائب من بلطجية نظام مبارك الجاهزين لقتل المصريين في أية لحظة، حشدت المعارضة كل هؤلاء ولم تخرجهم من الشارع حتى الآن، بينما نزلت القوى الإسلامية مرة واحدة في حفل “تفريغ انفعالات” في شارع النهضة إثر تخبط الإلغاء والتعديل؛ ثم خرجت ولم تنزل مرة اخرى ولا يدري أحد حتى الآن فيم نزلت ولم عادت؟!

سن التحالف سنة جديدة وخطيرة ولأول مرة تمثلت في حرق مقرات الإخوان: “الجماعة والحزب”

كما وسن التحالف سنة جديدة وخطيرة ولأول مرة تمثلت في حرق مقرات الإخوان: “الجماعة والحزب” وأصابت الآلاف في كل أنحاء البلاد كما قتل البعض أيضاً؛ في مشهد دموي يخرج عن طبيعة الشعب المصري المسالم ويرسم طبيعة الحكم الذي سيقودنا به هؤلاء إن تمكنوا من الوصول إليه، وليس هذا هو العجب وإنما تغاضي إعلام الفتنة عن الجريمة وكأن شيئاً لم يكن وكأن هذه احداث طبيعية كشروق الشمس وغروبها مثلاً.

إنها ديكتاتورية النخبة المحدودة التي تشترط على رئيس الجمهورية أن يلغي الإعلان الدستوري قبل التفاوض عليه، أي إلغاء موضوع الحوار قبل الجلوس للحوار!!
كما ظهر جلياً فكر بعض السياسيين الذين مازالوا يتصدرون المشهد مثل الدكتور البرادعي الذي راح يخبط يميناً في النيويورك تايمز طالباً العون من أمريكا والغرب، وشمالاً في دير شبيجل ليستعيد “مظلومية الهولوكست”وحين أراد أن يتوسط راح يتحدث عن معابد بوذا التي يبدو أن الدستور الجديد سيحرم منها ملايين المصريين.

وللحديث بقية مؤلمة.

التعليقات