اضطجاع النبي صلى الله عليه وسلم في قبر فاطمة بنت أسد

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .

موضوع الشبهة المثارة هو إضجاع رسول الله في قبر زوجة عمه.

ورد في وفاة فاطمة بنت أسد زوجة عم النبي عدة روايات، لا يخلو إحداها من ضعف.. نختار منها أقواها وهي رواية أنس بن مالك رضي الله عنه حيث جاء فيها: «دعا رسول الله أسامة بن زيدٍ، وأبا أيوب الأنصاري، وعمر بن الخطاب، وغلامًا أسود يحفرون فحفروا قبرها، فلما بلغوا اللحد حفره رسول الله بيده، وأخرج ترابه بيده، فلما فرغ دخل رسول الله : فاضطجع فيه، وقال الله الذي يحيي ويميت وهو حي لا يموت اغفر لأمي فاطمة بنت أسد ولقنها حجتها ووسع عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي فإنك أرحم الراحمين ثم كبر عليها أربعا ثم أدخلوها القبر هو والعباس وأبو بكر الصديق رضي الله عنهم ».. وهي أقوى الروايات مع ضعفها جميعًا.

وهذه الرواية بيان صريح لكيفية اضطجاعه صلى الله عليه وسلم في القبر، وذلك كان قبل دخول زوجة عمه فيه، ويدل على ذلك صراحة نص الرواية: «ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد، وأبا أيوب الأنصاري، وعمر بن الخطاب، وغلاما أسود يحفروا، فحفروا قبرها، فلما بلغوا اللحد، حفره رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، وأخرج ترابه بيده. فلما فرغ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاضطجع فيه، ثم كبر عليها أربعا، ثم أدخلوها القبر، هو والعباس، وأبو بكر الصديق».

وواضح من النص أن الرسول هو الذي حفر القبر «اللحد» وهو المكان الذي سيكون فيه الجسد.. ولا يكفي إلا للميت.

وأن الرسول صلى الله عليه وسلم اضطجع في اللحد.. ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبر عليها أربعا.. ثم أدخلها القبر بنفسه هو والعباس وأبو بكر.

والحكمة من تصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم مع زوجة عمه في قبرها.. هو أساس فهم الحديث.

وفهم التصرف بدء من إلباسها قميصه بعد تكفينها.. وانتهاءً بالنوم في قبرها، كما توضحه رواية ابن عباس:
«إني ألبستها قميصي لتلبس من ثياب الجنة.. واضطجعت معها في قبرها ليخفف عنها من ضغطة القبر» ([1]).

وبالجمع بين الروايتين يكون معنى اضطجعت معها يعني: معها في نفس المكان، وليس في نفس الوقت، وهو المعنى المستفاد من أقوى الروايات.

وإذا افترضنا جدلا أن معنى الاضطجاع الذي كان في القبر هو النوم بجانبها –وهي في كفنها- فذلك ليخفف عنها من ضغطة القبر، الذي يكون على الميت..

لأن القبر يضم على الجسد، واضطجاع رسول الله في قبرها يحفظها من أن تنضم الأرض عليها.

وتصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم مع زوجة عمه يماثل ما فعله مع غيرها:

فكما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه لعبد الله بن أبي.. كذلك ألبس زوجة عمه قميصه ليكون القميص أمارة تشفع لها عند الله؛ إكرامًا لنبيه صلى الله عليه وسلم .

ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد لزوجة عمه أمرًا زائدا على ذلك.. جزاءً لها على أن عاش في كنفها وتغذى من طعامها وآثرته على نفسها وزوجها وأبنائها؛ فكان أنسب ما يكون لها هو أن يجعل الرسول من نفسه أمارة فوق أمارة القميص، فكان الاضطجاع في قبرها..

وكما كان الأمر في دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم قبر سعد بن معاذ، فاحتبس فيه، فلما خرج قيل : يا رسول الله ما حبسك؟ قال : ضُم سعد في القبر، فدعوت الله فكشف عنه» ([2])..
فكانت الحكمة أن يكون الدعاء في موضع تحقق الدعاء، وهي قاعدة ثابتة لها أمثلة كثيرة ([3]).
وكما كان الدعاء لسعد في موضع ضم القبر عليه.. كذلك كان دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لزوجة عمه في قبرها.

وليس الأمر كما يقول أصحاب الشبهة في كلمة «اضطجع معها» أنه جامعها. فالمعنى اللغوي لكلمة اضطجع: «نام» و«استلقى ووضع جنبه بالأرض». والمَضاجع :جمع مضجع.
قال الله عز وجل: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُون َرَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة: 16] أي تتجافى عن مضاجعها التي اضطجعت فيها.

وفى الحديث عن عائشة قالت: «كانت ضجعة رسول الله من أدمٍ حشوها ليف» ([4]). والمراد ما كان يضطجع عليه ([5]).

كما أن السياق ينفي هذا المعنى تماما: فهي أمه التي ربته .. وقد ماتت.. وكفنت.. وفي قبرها.. والناس يشهدون ومعه أبو بكر والعباس يدفنونها معه.

ولكن صاحب الشبهة لا يقف عند هذا الحد، بل يزعم أن هناك حكم بعدم إقامة الحد على وطء الميتة؛ ومراده أن يفهم الناس جواز الفعل عند المسلمين.. ومن هنا يكون الكلام عن حكم وطء الميتة:

وقد اتفق جميع الفقهاء على اعتبار وطء الميتة جريمة تستوجب العقاب:

فالإمام مالك والشافعي ذهبوا إلى أن وطء الرجل المرأة الميتة يعتبر زنا موجبا للحد, بل إنه يجب مضاعفة العقوبة عليه؛ لأنه بالإضافة إلى هذه الجريمة هناك جريمة أخرى متمثلة في هتك حرمة الميت.

وقال الإمام الأوزاعي: لأنه وطء في فرج آدمية فأشبه وطء الحية ولأنه أعظم ذنبا وأكثر إثمًا؛ لأنه انضم إلىه فاحشة هتك حرمة الميتة.
وحتى حينما ذهب أبو حنيفة إلى أنه لايقام عليه الحد لأن حياة المرأة شرط لتحقق حكم الزنى وبذلك يكون موتها شبهة يدرأ بها الحد عنه .فإنه مع ذلك قال : الرجل الذي يطأ ميتة يعزر أي ” يجلد ” بحسب تقدير القاضي

وهناك تفسير رائع لفقهاء المسلمين للرأي القائل بدرأ الحد عنه بسبب موتها ، وهو قولهم: لأنها لا يشتهى مثلها -أي الميتة- وهو أمر تعافه النفوس السوية والفطر السليمة.

ولذا لم يأت من الشارع نص بوجوب الحد على فاعله اكتفاء بأنه أمر تمجه النفس وتعافه.

كما قال ابن قدامة عن وطء الميتة: ولأنها لا يشتهى مثلها وتعافه النفس فلا حاجة إلى شرع الزجر عنها، والحد إنما وجب زجراً ([6]).

ولكن الأمر يا سادة هو كما جاء في الكتاب الذي بين أيديهم …
والغريب أن مثير الشبهة عندما تعرض لبعض الألفاظ الجنسية الصريحة الموجودة في كتابه أنكر على الناس فهمها على حقيقتها وأستشهد بقول بولس عندهم
«كلَّ شيء طاهر للطاهرين، أما للنجسين وغير المؤمنين فليس شيء طاهر بل قد تنجس ذهنهم أيضا وضميرهم» (تيطس 1: 15) .

لكنه في واقعة فاطمة بنت أسد يراوغ ويدلس ليثبت فهمه النجس , فهل يمكن أن يتعامل مع النص القائل : «ودخل اليشع البيت وإذا بالصبي ميت ومضطجع على سريره* 33 فدخل وأغلق الباب على نفسيهما كليهما وصلى إلى الرب* 34 ثم صعد واضطجع فوق الصبي ووضع فمه على فمه وعينيه على عينيه ويديه على يديه وتمدد عليه فسخن جسد الولد» ([7]).

نفس تعامله النجس مع واقعة فاطمة بنت أسد.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل

 

الهوامش

([1]) المعجم الأوسط للطبراني ح (6935)، قال الهيثمي (9/257) : فيه سعدان بن الوليد ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات.

([2]) أخرجه ابن أبى شيبة (32316) ، والحاكم (4924) قال الذهبي في التلخيص: صحيح.

([3]) منها: دعاء رسول الله ? لجابر بن عبد الله بالبركة في حديقته وهو يمشي بين أشجار الحديقة.

([4]) سنن أبي داود ح (4147)، وصححه الألباني.

([5]) انظر: لسان العرب لابن منظور

([6]) المغني (9/55).
([7]) سفر الملوك الثاني الإصحاح 4 الفقرات 32 إلى 36


التعليقات