ما تزال معركة تطبيبق الشريعة دائرة في مصر بين القوى الليبرالية والقوى الإسلامية ، و بدأت طبول الحرب تدق يوم تنادى القوم بالتصويت على استفتاء التعديلات الدستورية عقب ثورة مصر المباركة ؛ فيما اعتبره البعض ” غزوة الصناديق “ بينما عده آخرون ” غزوة الدستور أولاً “ في محاولة لإمضاء كل فريق لإرادته .
و تتجلى أزمة الشريعة بين الفريقين بكل أبعادها بدءً من تغيير دعاة العلمانية في بلادنا لجلدهم ليتسموا بدعاة ” الدولة المدنية ” وانتهاء بتفاعلهم في قضايا طالما صمتوا عنها كالإساءة للنبي – صلى الله عليه وسلم – ، بل تعدى الأمر لتوزيع المعونات الخيرية و” الزيت والسكر ” الذين طالما انتقدوا الإسلاميين عليهما كما تفعل بعض الأحزاب الجديدة اليوم .
غير أنني معني في هذا الصدد بتناول الجانب المتعلق بالتصور و الممارسة الإسلامية لقضية تطبيق الشريعة ، ففي ظني أن الشريعة لن تقوم في بلادنا بالأغلبية و لا بالمغالبة كما توهم البعض ، و لن يغني عنهم حب الناس الفطري للدين و أهله إذا صدرت من المتدينين أفعالاً مخيبة لآمالهم و طموحاتهم أو انعزلوا عن آمالهم و آلامهم ، كما لن يشفع لهم عند الناس كثرة المعونات الخيرية و الخدمات الاجتماعية التي يقدمونها لهم فأقصى ما يرتجى منها هو تعاطف الناس و ربما دعمهم في المبارزات السياسية ، إلا أنها سرعان ما يزول أثرها بالضغط و التحريض الإعلامي المضاد و المعادي الذي يستغل أخطائهم و هفواتهم .
إن الشريعة لن تقوم في بلادنا إلا بعد أن تصبح ثقافة عامة للشعب كله ، و أقصد بالكلية هنا الغالبية العظمى من أبناء هذه الأمة البر منهم و الفاجر والطائع و العاصي و المحتشمة و غير المحتشمة ، إذ أن الأنظمة الجائرة و العهود الظالمة المظلمة قد عمدت إلى إخفاء حقيقة الشريعة و محاسنها عن جموع المسلمين و غير المسلمين و أعانها على هذا قرون متطاولة من التغييب الحقيقي لها عن واقع المسلمين و حياتهم .
إنه ما كان ينبغي لنا أن يكون بيننا إسلامي و غير إسلامي إذ أن جماهير أمتنا الغفيرة على الجملة مسلمون ، إلا أن نشوء ظاهرة تبني أفراد أو جماعات من الأمة لمناهج غربية متعارضة في جذورها مع حقائق الإسلام الكبرى هو ما حتم وجود إسلاميين بين المسلمين ينادون بمرجعية الشريعة و حاكميتها بمعنى فوقيتها و مصدريتها ، إلا أن هذا غير كاف لإعادة إحياء القضية في نفوس الناس فضلاً عن تعريفهم بتفاصيلها و أقضياتها .
إنه من الواجب أن ينفي الصف الإسلامي خبثه أولاً و يعبر عن نفسه و حملته التعبير الحقيقي بنبذ الأطروحات الفاسدة ـ التي دسها المجرمون إذ هم في سدة الحكم ـ هي و من يحملونها ، و استغلال عهود الحرية والسعة في إرساء عقد اجتماعي إسلامي جديد يصوغ العلاقة بين الحاكم و المحكوم ، و بتجديد المنظومة الفقهية القديمة التي تكرس الجمود و التقليد و تنفي البعد المقاصدي للشريعة الغراء .
كما ينبغي أن تكرس الحركة الإسلامية المنهجية العلمية الصحيحة و التخصصية الشديدة بين كوادرها و إنهاء تفرد القيادة العلمية المدرسية بإدارة كل شئون الحياة فيما يكن أن يسمى ” بالقيادة المطلقة “ ، و من شأن ذلك أن يعيد المرونة لمفاصل الحركة الإسلامية التي كادت أن تتخشب و يعطيها الفعالية المطلوبة .
كما و أنه من الواجب أن تغير الحركة الإسلامية من تكتيكاتها الحركية لخدمة الهدف الاستراتيجي المذكور و هو تحويل الشريعة إلى ثقافة عامة للأمة و لذا عليها أن تكف عن التقوقع عند شريحتي الطلاب و الطبقة المتوسطة من المجتمع و هو ما أفقدها مستويات عمرية و فئوية معينة و ضيق حيز وجودها الفعلي ، لهذا فعليها أن تنطلق إلى طبقتي العمال والفلاحين و تنهي استئثار اليسار بهذا الشعار فنحن أحق به منهم لما بذلناه ونبذله من خدمات اجتماعية لم يقدموا هم معشارها ـ إن كانوا قد قدموا شيئاً أصلاً ـ و لنعمد لتبني قضاياهم في أصعدة جديدة سياسية وقانونية وشعبية و ميدانية و إعلامية ، فنبينا كان هو نبي المستضعفين و المقهورين .
التعليقات