الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين لا يوجد ما هو أبلغ في الدلالة على دقة التناسب التعبيري بخصوص قضية عيسى عليه السلام في كتاب الله.. من تتبع سياقات ورود اسم: «المسيح عيسى ابن مريم» بصِيَغِه المختلفة..
فقد أثبت القرآن الارتباط بين اسم المسيح عيسى ابن مريم وقضيته من خلال صيغة الاسم المذكور، والموضوع الذي يعالجه السياق الذي وردت فيه هذه الصيغة. وإظهارا للحكمة القرآنية في تلك القضية نتناول كل صيغة ودلالتها من خلال الآيات التي وردت فيها الصيغة الاولى صيغة: «عيسى ابن مَرْيَمَ»… البينات وذكر البينات سيظل هو الارتباط الأساسي مع اسم عيسى ابن مريم بسبب أن اسم عيسى ابن مريم هو الإسم البشري الذي ستضاف إليه النبوة ببيناتها وأولها التأييد بروح القدس بصفته الملائكية المؤيدة لعيسى البشر الرسول ويلاحظ أن ذكر البينات في كل مرة جاء من جانب خاص لحقيقة البينات والبينات هى الحجة والدلائل الواقعية والعملية كما يلاحظ أن ذكر البينات جاء متعلقا في غالبه ببني إسرائيل باعتبار أنهم المختصون أساس بالبينات , كما يلاحظ أن ذكر البينات جاء باللفظ وبالمعني ومن هنا كانت هذه الصيغة هي أكثر الصيغ ورودًا لتعلقها بتفسير الجانبين الأساسيين في قضية المسيح عليه السلام وهما: العبودية والرسالة..
ويلاحظ أن هذه الصيغة لا تحتوي على لقب «المسيح» الذي يدلُّ على معجزاته عليه السلام وعنوان رسالته.. وذلك لأنها مُتَعلِّقة بالمواضع التي ذُكر فيها بنو إسرائيل الذين لم يؤمنوا أنه المسيح أصلاً. ولما كانت سورة البقرة هي أكثر السور تناولاً لبني إسرائيل باعتبارهم نموذجًا يقاس عليه في موقف الأمم من الرسل- جاء ذكر عيسى فيها في موضعين كمتمم لرسالة موسى وكآخر أنبياء بني إسرائيل.
1 ـ {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ ۖ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ۗ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} [البقرة: 87].ونلاحظ أن الله أجمل ذِكْرَ الأنبياء بين موسى وعيسى لكونهم جاءوا مجددين لشريعة موسى، بينما جاء عيسى عليه السلام كآخر رسول منهم فذكرت البينات من جانب أن الاستكبار كان بعد ثبوتها وفي الموضع الثاني جاءت بينات عيسى بن مريم في إطار البينات التي أتاها الله لجميع الرسل
2 ـ {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۘ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ ۖ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ۚ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ۗ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَٰكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [البقرة: 253].
وفي المواضع التالية بسورة المائدة يأتي ذكر مجمل البينات التي جعلها الله لعيسى ابن مريم ففي الموضع الأول من المائدة يتبين أن الله قد بعث عيسى ابن مريم مصدقا بنفسه للأنبياء السابقين فهو بنفسه بينة إبتداءا بولادته الإعجازية حتى رفعه ثم انزل معه الإنجيل مصدقا لمل بين يديه من التوراة أيضا ليكون التصديق الأول بعيسى والبينات (الحجة والدلائل الواقعية والعملية ) والثاني بالإنجيل (النص) (وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْأِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) (المائدة:46) (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ* تَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ*وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) (المائدة:78-81 ) قال القرطبي “قال ابن عباس: الذين لعنوا على لسان داود أصحاب السبت، والذين لعنوا على لسان عيسى الذين كفروا بالمائدة بعد نزولها , وروي نحوه عن النبي صلى الله عليه وسلم.” ففي الموضع الثالث من الصيغة ” الأول من المائدة ” ذكرت الآية أهم البينات
3 ـ (إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ) فجاء ذكر البينات كإختصاص من الله بعيسى ونعمه عليه وفي الموضع الرابع ذكرت الآية طلب الحواريين للمائدة التي كانت علامة مميزة لرسالة عيسى، وضمن بيناته ومعها ذكر فئة الحواريين من بني إسرائيل والتي تميزت بها رسالة عيسى عن أتباع الرسل
4 ـ (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ 111 إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء قَالَ اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ 112 قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ 113) وفي الموضع الخامس تذكر الآية دعاء عيسى بنزول المائدة بصفته عبد رسول وهو معنى الإعجاز في الطلب أن تنزل المائدة من السماء بدعاء العبد الرسول عيسى ابن مريم ومن هنا أيضا كان دعاء عيسى بتلك الصفة
5 ـ (قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ 114 قَالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ 115) فذكرت البينات بكونها المائدة التي أنزلت على الحواريين الذين امنوا بالمسيح ثم يأتي الموضع السادس وفيه تأتي المسائلة التي ستكون لعيسى وهي البينة النهائية العامة أمام جميع الخلائق
6 ـ (وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ 116 مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ 117 إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ 118 قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ 119 لِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ 120) ولما كان الموقف موقف مسائلة وقضاء كان لابد من التعريف الشخصي عيسى العبد الرسول الذي سيحاسب أمام ربه دون ذكر خصائصه التي تميز بها و في هذه الآية ذكر عيسى بن مريم دون ذكر لفظ البينات مباشرة , باعتبار أن هذه الآية تدخل في سياق واحد سبق فيه ذكر البينات فجاءت المسائلة كخاتمة لجميع البينات وفي سورة مريم – وموضوعها الأساسي هو بني إسرائيل مع عيسى ابن مريم يأتي هذا الموضع ضمن سياق موجَّه لهم
7 ـ {ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ} [مريم: 34]. وقد ختم الله السياق بقول المسيح: {إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} [مريم: 36]. فجاء معنى البينة هنا من قوله تعالى (قول الحق) باعتبار ما سبق من ذكر البينات في سياق السورة والتي جمعتها الاية في (قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ) وإذا انتقلنا إلى سورة الأحزاب وجدنا سياقًا مثيرًا للتفكير:
8 ـ {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْك وَمِنْ نُوح وَإِبْرَاهِيم وَمُوسَى وَعِيسَى ابْن مَرْيَم وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [الأحزاب: 7]. والمراد بـ«الميثاق الأول» العهد الذي أُخذ منهم حين أُخرجوا في صورة الذر من صُلب آدم عليه الصلاة والسلام.. والمراد بـ«الميثاق الثاني» الوفاء بما التزموا من تبليغ الرسالة، وأن يصدق بعضهم بعضًا، وخصوصًا محمد صلى الله عليه وسلم، كما قال عز وجل: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ ۚ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي ۖ قَالُوا أَقْرَرْنَا ۚ قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران: 81]. وهنا تكشفت في هذا الموضع حقيقة خطيرة وهي أن الميثاق الذي أخذ على الأنبياء أخذ على عيسى بصفته عيسى ابن مريم لإثبات أن الولادة الإعجازية لا تخرج عيسى عن حد العبودية الذي أخذ به الميثاق على جميع الأنبياء لأن العبودية صفة ثابتة على عيسى وهو لم يزل بعد في عالم الذر عيسى عبد منذ عالم الذر لم يكن شيئا غير ذلك ولن يكون شيئا تحول عنها بعد أن كان عليها وكذلك الميثاق الثاني الذي أخذ على جميع الأنبياء بأن يصدق بعضهم بعضا لأن هذه الحقيقة تنطبق أساسا على عيسى بتصديقه للتوراة وتبشيره بالرسول عليه الصلاة والسلام وممَّا يثبت هذا الاتجاه.. قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أخذ الله عز وجل مِنِّي الميثاق كما أخذ من النبيين ميثاقهم، وبَشَّر بي عيسى ابن مريم، ورأت أمي في منامها أنه خرج من بين رجليها سراج أضاءت له قصور الشام)) . فالبينة هنا هي الميثاق الذي أخذه الله على الأنبياء جميعا وفيهم عيسى بن مريم من الإقرار بالعبودية والبشارة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ,وفي هذا بينة تثبت حقيقة عيسى منذ عالم الذر فهي أقدم بينة تثبت بشرية عيسى وحقيقته ثم ننتقل إلى سورة الحديد:
9 ـ {ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ۖ فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد: 27]. واختصاص عسيى بن مريم هنا بالبينات جاء من ذكر الآية في سياق واحد بدأ بقول الله عز وجل (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحديد:25) ثم جاء ذكر الرسل ابتداء من نوح وابراهيم ومن تبعهم من الانبياء ثم جاء قوله تعالى (ثم قفينا على آثارهم برسلنا) ثم اختص عيسى بن مريم بصفته رسول من هؤلاء الرسل ليدل ذلك على اختصاصه بحقيقة البينات التي أرسلها الله مع رسله (ووَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ) ليجتمع في عيسى خصائص البينات التي كانت لرسل جميعاً وفي آخر موضعين يأتي ذكر الإرتباط بين رسالة عيسى ورسالة محمد عليهما الصلاة والسلام، والقاسم المشترك بينهما: وفي هذا الموضع كانت مطالبة القرآن بالإيمان برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم مثلما آمن الحواريين بعيسى ابن مريم بعد ما جاءهم بالبينات ولذلك جاء معنى البينات متواصلا من إيمان الحواريين حتى الإيمان بالرسول فجاء السياق (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ 6 وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ 7 والظلم والإفتراء هنا لحجد البينات التي تكون في الدعوة إلى الإسلام وهو نور الله ” يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ 8 وهوالهدي ودين الحق ” هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ 9 إلى قوله سبحانه يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ 14) “ومن هنا جاء ذكر عيسى متطابقا في الموضعين..” عيسى ابن مريم
التعليقات