من الغافل في كل هؤلاء؟!

حركة الشعوب وعلاقاتها الاجتماعية؛ مثلها كحركة الدول والعلاقات السياسية. فهي ديناميكية (أي أنها غير ساكنة)، وهي متغيرة ومتبدلة (فليست ثابتة بل قد تتعاكس وجهتها). ذلك أنها تفاعلية (بمعنى أن بعض التكتيكات قد ترتقي إلى اسراتيجيات أو يتم تعديل هذه الاخيرة ولو قليلاً).

ومثال ذلك هو ما يجري الآن في المنطقة بأكملها؛ فالسعودية تلتقي بإيران في مفاوضات سرية مباشرة. فقد أعمى الغبار الذي أثارته عاصفة الحزم والقادم من الجنوب الحوثي؛ أعين النظام السعودي وأحال واقعه إلى كابوس، وأصبح من المحتوم التقاء الأب الشرعي للحوثيين بشكل مباشر في ظل عدم أمان تام لدعم إدارة بايدن.

بينما أراد النظام السعودي تخفيف الضغط عن نفسه والنأي عن علنية التطبيع وإبقائه سرياً وعرفياً وغير شرعي.

واتخذ النظام المصري خطوات إلى الوراء بعيداً عن الإمارات في ملفات عدة بعد اندماجها الكامل في تطبيعها الآثم مع دولة الكيان، ودعمها لإثيوبيا في ملف سد النهضة، وكذلك استمرار دعم حفتر بعدما بدأ النظام في نفض يده منه، وفي ظل توقف الدعم الإماراتي (المسترد) وأزمات النظام في ملفات عدة اقتصادية وسياسية وخاصة في موضوع التهديد الوجودي لمنابع النيل.

في نفس الوقت كان النظام التركي يحاول الانفلات من الطوق الذي يراد إحكامه حول رقبته وتطويق بلاده؛ فمن مشكلة حقول شرق المتوسط، إلى الصراع في الساحة السورية، بالإضافة إلى الضغوط الأمريكية الجديدة، والإشكالات الداخلية المتزايدة مع المعارضة، والتربص الصهيوخليجي ضده، فأراد نظام تركيا كسر هذه الحلقة والانطلاق إلى آفاق جديدة بتوثيق العلاقات مع مصر.

بينما كانت القوى المصرية تلهو في الخارج متصورة أن تركيا هي الساحة الخلفية الآمنة التي ستبقى للأبد؛ حتى تشعر أن بعضهم ظن أنه في إعارة للعمل بالخارج!

والغريب أنهم لم يتعظوا من المصالحة مع قطر وإعادة تموضعها، واستمروا حتى اتخذت تركيا إجراءاتها التي من الطبيعي أن تكون أسوأ في حقهم لوجود الأغلبية على أراضيها. فتفرغ البعض للصراعات البينية، وبعضهم رتب أموره الحياتية وضبط أوضاعه، وآخرون وجدوها فرصة لرواج مشاريعهم وتكديس أموالهم الوفيرة! بينما الغالبية من الشباب -وغير الشباب- لا يجدون ما يقيم حياتهم.

وفي ظل هذه الأوضاع التي يغيب عنها أي مشروع وتخلو من أية حركة حقيقية لمواجهة النظام فضلاً عن إسقاطه؛ كان لابد أن تبحث تركيا عن مصالحها، والتي أظنها قد تتطور من مجرد تحجيم القنوات -رغم هزلية أدائها- إلى إبعاد بعض الشخصيات التي قد تعتبر أكثر إزعاجاً للنظام.

علماً أن التسوية بين تركيا ومصر شاملة لملف القوى المناهضة للنظام على الأراضي التركية، بالإضافة للملف الليبي.


التعليقات