المواثيق الدولية المثقوبة

دراسة أجهزة وقوانين وآليات عمل الأمم المتحدة توضح العديد من المفارقات في السياسة الدولية، حيث تكشف كيف تُصاغ المواثيق الدولية بشكل مثقوب يسمح بتفريغها من مضمونها. وسيتناول المقال قضية تحديد نطاق اختصاص الأمم المتحدة وكيفية تحديد ميزانيتها كمثالين بعد شرح أبرز أجهزة الأمم المتحدة واختصاصاتها.

مكونات الأمم المتحدة

تشكلت الأمم المتحدة في عام 1945 من 6 أجهزة أساسية هي: مجلس الأمن، والأمانة العامة، ومجلس الوصاية، ومحكمة العدل الدولية، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، والجمعية العامة. وبجوار تلك الأجهزة تشكلت بمرور الوقت مؤسسات فرعية مثل صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وتعمل تلك الأجهزة وفق الاختصاصات والصلاحيات التي حددها ميثاق الأمم المتحدة.

فمجلس الأمن يختص بالاستجابة للتهديدات التي يتعرض لها السلم والأمن الدوليين، ويتمتع بسلطة اتخاذ أي إجراءات يراها ضرورية بما في ذلك استخدام القوة العسكرية وفرض العقوبات الاقتصادية في مواجهة تلك التهديدات. وينص ميثاق الأمم المتحدة على وجوب قبول الدول الأعضاء لقرارات مجلس الأمن وتنفيذها سواء وافقت عليها أم لا.

يتألف المجلس من خمسة عشر عضوا، منهم خمسة أعضاء دائمين، وهم الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، وهي الصين وفرنسا والاتحاد السوفيتي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية. وقد حلت روسيا محل الاتحاد السوفيتي بعد تفككه. ويُنتخب الأعضاء العشرة المتبقين في مجلس الأمن من أعضاء الجمعية العامة لمدة عامين.

يتطلب صدور القرارات في مجلس الأمن موافقة تسعة أعضاء على الأقل من بينهم الأعضاء الدائمين الخمسة في حال عدم امتناع أيا منهم عن التصويت. نظام التصويت غير العادل نشأ في ظل رفض الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد السوفيتي المساهمة في تأسيس الأمم المتحدة في حال عدم إعطائهم حق نقض قراراتها في حال اعتراضهم عليها. وبذلك احتفظ الأعضاء الدائمون بالسيطرة المطلقة على قرارات مجلس الأمن بحيث يتمكن كل منهم من عرقلة القرارات الأممية في حال تضاربها مع مصالحه.

أما الأمانة العامة، فتشمل الموظفين البيروقراطيين في الأمم المتحدة، ويرأسها الأمين العام. ويُختار موظفي الأمانة من الدول الأعضاء بالهيئة لكنهم موظفون مفترض نظريا أنهم يدينون بالولاء للأمم المتحدة وليس لحكوماتهم الأصلية.

أما مجلس الوصاية، فهو الجهاز المختص بالإشراف على الأقاليم الموضوعة تحت وصاية الأمم المتحدة بحيث يعمل على المساعدة في التطوير التدريجي للمؤسسات السياسية في تلك الأقاليم وصولا إلى تأهليها للحكم الذاتي. وآخر إقليم خضع للوصاية هو إقليم (بالاو) الذي تحول إلى دولة مستقلة في عام 1994 لينتهي عمل مجلس الوصاية.

أما محكمة العدل الدولية فهي هيئة قضائية تقدم فيها الدول شكاوى ضد الدول الأخرى التي ترى أنها لم تف بالتزاماتها بموجب القانون الدولي.

أما المجلس الاقتصادي والاجتماعي فيختص بإجراء الدراسات فيما يتعلق بالمسائل غير الأمنية مثل القضايا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والصحية الدولية والمسائل ذات الصلة، وتقديم توصيات بشأن تلك الأمور إلى الجمعية العامة، وأعضاء الأمم المتحدة، والوكالات المتخصصة المعنية. ولا يملك المجلس سلطة تخوله إجبار الحكومات على تنفيذ توصياته. ويُنتخب أعضاء المجلس البالغ عددهم أربعة وخمسون عضوا من أعضاء الجمعية العامة لمدة ثلاث سنوات عبر نظام تمثيل إقليمي.

أما الجمعية العامة فهي أكبر جهاز داخل هيئة الأمم المتحدة، حيث تضم كافة الدول الأعضاء بالهيئة. ويحق لها مناقشة أي قضايا تهم الأمم المتحدة. وتتمتع كل دولة عضو بصوت واحد، وتُمرر قرارات الجمعية العامة بأغلبية ثلثي الأعضاء الحاضرين والمصوتين. لكن الجمعية العامة ليس لها أي سلطة إلزامية على أعضائها. وصلاحياتها تقتصر على تقديم توصيات وإصدار تقارير وليس اتخاذ قرارات. وبالتالي يقتصر دور توصيات وبيانات الجمعية العامة على إمكانية توظيفها سياسيا في الصراع ضد الخصوم عبر الحديث عن مخالفتهم للمواقف الأممية، وإضفاء الشرعية على المواقف والسياسات والأفكار الذاتية للدول في حال اتساقها مع توصيات وبيانات الجمعية العامة.

التحايل على إقرار الميزانية

السلطة الإلزامية الوحيدة المخولة للجمعية العامة هي التحكم في ميزانية إيرادات ونفقات الأمم المتحدة، وتوزيع التكاليف المالية بين الدول الأعضاء، حيث تُقر الميزانية عبر التصويت عليها بأغلبية الثلثين. وينص ميثاق الأمم المتحدة على أنه عندما لا يدفع أي عضو مساهماته المالية إلى المنظمة فلا يحق له التصويت في اجتماعات الجمعية العامة إذا كان مقدار متأخراته يساوي أو يزيد عن مقدار الاشتراكات المستحقة عليه عن السنتين السابقتين.

عمليا، لا يصل مشروع ميزانية الأمم المتحدة إلى الجمعية العامة للتصويت عليه إلا بعد أن يُعتمد بالإجماع من لجنة تدعى (اللجنة الاستشارية لشؤون الإدارة والميزانية). وهي لجنة تتكون من ستة عشر عضوا يجري انتخابهم من الجمعية العامة، وتستقبل تلك اللجنة مشروع الميزانية من الأمين العام قبل إحالته إلى الجمعية العامة. عرفيا يكون للولايات المتحدة الأمريكية عضو دائم في اللجنة. أي بإمكانها تعطيل الميزانية متى أرادت قبل أن تصل إلى الجمعية العامة.

من يحدد اختصاصات الأمم المتحدة؟

مفترض أن تعمل أجهزة الأمم المتحدة وفق الاختصاصات والصلاحيات التي يحددها ميثاق الأمم المتحدة، والذي ينص على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضاء الأمم المتحدة، وعدم التدخل في الأمور التي تقع ضمن الاختصاص المحلي للدول. وبناء على ذلك، فإن سلطة الأمم المتحدة تمتد فقط إلى المسائل الدولية، ولا يمكن للأمم المتحدة أن تتدخل في الشؤون الداخلية للدول سوى بموافقة الحكومات المحلية أو حين تتحول القضايا المحلية لتصبح شأنا دوليا.

لكن من الذي يحدد أن قضية ما تمثل شأنا محليا أو دوليا؟

لا توجد حدود فاصلة تفصل بين الشأنين المحلي والدولي، وعادة ما تفرض الدول الكبرى تفسيراتها لما هو محلي أو دولي. فمثلا في عام 1999 قال مجلس الأمن أن الاتجار في الأسلحة الصغيرة والخفيفة قد يشكل تهديدًا للسلم والأمن الدوليين مما يدرج الأمر في اختصاص الأمم المتحدة في حين رأت القوى الكبرى أن عمليات الإبادة الجماعية في رواندا أمر محلي خارج اختصاص الأمم المتحدة، وبالتالي لم تتدخل لمنع حدوثه أو وقفه في بداياته.

إن التفاصيل الواردة أعلاه توضح كيف تبني الدول الكبرى المؤسسات الدولية بما يخدم مصالحها، وكيف تحتفظ في يدها بالخيوط والأدوات التي تمكنها من التحكم في قرارات الأمم المتحدة، وهو ما يمثل شكلا صارخا لغياب العدالة، ويبرهن على صعوبة استعادة الحقوق عبر مؤسسات غير حرة في حقيقتها.

المراجع:
Ian Hurd, International Organizations (Politics, Law, Practice), Cambridge University.
مصدر المقال: موقع البوصلة

التعليقات