مستجدات الموجة الثانية

يرجى ملاحظة أن هذه المقالة من المقالات القديمة التي لا يتطابق تاريخ نشرها على الموقع مع تاريخ نشرها الفعلي

أوضحت في مقال سابق بعنوان “أتموا ثورتكم” أن المجلس العسكري حريص على السيطرة الكاملة على النظام المالي والإداري ومفاصل الدولة، ويقوم بمماطلة الإسلاميين ببعض “المكتسبات الهشة” التي يسهل تفريغها أو سحبها أو الانقلاب عليها، بينما يسعى لترميم الوضع وصناعة طاغية جديد وتفريغ الحراك الثوري وضرب جذوره، وعندما نجحت الموجة الثانية في 19 نوفمبر في حشد الجماهير من طبقات مختلفة وفي محافظات مختلفة اضطر المجلس لتحديد موعد لتسليم السلطة في محاولة لكسب الوقت وتفريغ الحدث قبل اكتماله، ولذلك فلا أستبعد أن تصدر أحكام مشددة ضد مبارك وأبناؤه والعادلي لن تصل إلى الإعدام كمحاولة لاستعادة الثقة مع إمكانية التخفيف أو العفو في وقت لاحق .

فأنا هنا لا أناقش فكرة “استكمال الثورة” فالثورة لم تكتمل والمكتسبات الصلبة سواء بصياغة دستور جديد أو تكوين حكومة وتسليم السلطة لم تتم على أي مستوى في أي مرفق من مرافق الدولة. ولكننا إذا تأملنا الثورات الناجحة في التاريخ فسنجد لها صورتين الأولى أن يكون لها رمز قائد مع تيار حامل يقوم بالثورة وتنجح بتسلم هذا القائد مقاليد السلطة، والثانية أن تكون جماهيرية شعبية وتنجح في تصفية الطبقة الفاسد أو عزلها مع تغيير في النظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، أما تلك التي لم يتحقق لها أي من الأمرين فقد انتهت في أيدي العسكر. كما أنه من المسلمات أن الثورات تحاج إلى موجات متتالية خاصة مع ترسخ الظلم وتحوله إلى ثقافة مقبولة ومبررة ، وغالبية الثورات التي فشلت فشلت في الموجة الثانية حيث استفادت الطبقات المتحكمة من المهلة في ترميم أوضاعها وتفتيت الصف وعقد الصفقات واعادة الهيمنة بينما قامت الموجات الثانية بمحاولة استنساخ الموجة الأولى دون إبداع أو تجديد ودون استعداد جيد ومناسب للتحركات المضادة. ولهذا فما أناقشه تحديداً هو “الدعوة أن تكون 25 يناير استكمالاً للثورة والمطالبة بتسليم السلطة في هذا التاريخ”، في ظل رصد لعدة مستجدات تحتاج إلى دراسة وتعاطي مناسب معها:

– اضطراب الدعم الشعبي، ومن المعلوم أن أي تحرك تغييري يفقد كونه تعبيراً عن النبض الجماهيري ومحفوفاً بالدعم الشعبي محكومٌ عليه بالفشل. وأقول “اضطراب” لأن هناك دعم شعبي لمطالب الثورة مثل تسليم السلطة وحماية الحريات والمطالبة بمحاكمة المجرمين والاصلاح الاقتصادي، ولكن هذا الدعم مضطرب في تعاطيه مع التحركات الثورية إما لثقة عند البعض في وعود المجلس وإما لترقب حذر،يغلفهما الخوف من الاصطدام مع المؤسسة العسكرية وعدم القبول بالحلول المطروحة كالمجلس الرئاسي. كرس هذا “الاضطراب” هزلية “الطرف الثالث” وممارسات بعض الاتجاهات الثورية، حيث يضفي “الطرف الثالث” ضبابية في الرؤية ويكرس “أبعاد المؤامرة” وحيث تساعد بعض الأفكار والتحركات والتصريحات لدى بعض الاتجاهات الثورية على تكريس المخاوف وفقدان الثقة. وخطورة هذه الصورة أنها تصل في النهاية إلى الانفصال عن الأشخاص والحركات مع الحفاظ على الانتماء لشيء جميل اسمه “روح الثورة ومبادئها” ليتم الاحتفال به كل عام في صورة جديدة من خداع الشعوب.

ومن الاشكاليات ـ أيضاً ـ في هذا المجال انحصار التحرك في ميدان التحرير وانحساره عن بقية المحافظات، ويذكرنا هذا بفشل الثورة الهندية سنة 1857م والتي كان من أسباب فشلها انحصارها في ولايات مع بقاء ولايات أخرى على ولاءها للانجليز.

– إشكالية التمثيل السياسي، فمن عوامل نجاح الموجة الأولى قوة التمثيل السياسي في الميدان والذي كان يزيد كل يوم ، بينما نلاحظ في الموجة الثانية تفريغ الحراك الثوري من تمثيل سياسي واضح ، وساعد على التفريغ حوادث الطرد أو الاعتداء على بعض الرموز السياسية من تيارات مخالفة مما يدفع هذه التيارات للسعي للرد بنفس الأسلوب، مع وجود احتقان شديد ورفض للسياسيين الذين اتخذوا وأحزابهم مواقف داعمة للمجلس العسكري. والبعض يظن أن هذه مزية لتظل الثورة شعبية ولمنع القفز عليها، وهذا خطأ لأسباب الأول أنه مخالف لتركيبة الشعب المصري الذي يميل للاعتزاز برمزياته والتغافر عن أخطائهم، والثاني أنه على العكس يفتح باب القفز على الثورة والثالث أن يؤدي إلى الفوضى والتخبط مما يكرس الانفضاض عن الثورة. وهذا يفتح الباب لتكرار نموذج الثورة الرومانية1989م التي انتهت بشيطنة الشباب الثائر واعدامهم وخلعت ديكتاتورا وجاءت بآخر.

– تغيُر الوضع السياسي، حيث تم حل الحزب الوطني وعزل نوابه شعبياً وصعدت الأحزاب الإسلامية كقوة برلمانية. وتأثير هذا التغير يكمن في أن الثورات غالباً ما يكون لها شقين أحدهما القهر السياسي والأمني والثاني الفقر الاقتصادي، فالتغير السياسي الجديد يخفف حدة الثورة ، كما أنه يُحول الحركات التي فازت بالأغلبية ــ بل والأغلبية التي انتخبتها ــ من داعم ورافد من روافد الثورة إلى متضرر من فعالياتها، وهو مستجد يهدد نجاح الحراك ثوري.

وإذا أضفنا إلى ذلك بعض التوجهات الراديكالية التي تسعى إلى توجيه الثورة لتكون ضد المجلس العسكري والوجود السياسي الإسلامي معاً ، وهو ما يتم استغلاله بالفعل في محاولة شيطنة الثورة. وإذا افترضنا عقد المجلس لصفقات أو أعطى وعوداً صدقتها أحزاب الأغلبية فإن هذا يضع الثورة في موضع المعادي للمشروع الديني، بينما تصدر الثوريين الاشتراكيين أو حركات تم التركيز على فساد أخلاقي لبعض أعضائها للمشهد يساعد على تصوير الثورة في حس الجماهير كثورة ضد الإسلام، ولا يوجد تحرك حقيقي واعي يتجاوز هذه العقبة، بل هناك ما يكرسه . والخلاصة أن تحويل مجلس الشعب المدعوم من المجلس إلى “مجلس إسلامي” ولو صورياً وتحويل الثورة إلى “أشتراكية خالصة” أو “ليبرالية خالصة” لا يصب إلا في مصلحة المجلس العسكري، بخلاف الموجة الأولى. – تكرر صور اختراق للثورة، ويساعد على ذلك غياب تنظيم أو قيادة موحدة مثل الإخوان مما فتح الباب للاختراق ، سواءً لافتعال خلافات في الميدان بين التيارات المختلفة أو نشر اشاعات لتوجيه الميدان أو نشر شعور بالفوضى أو الفزع، أو لافتعال اشتباكات شكلية تعطي مبرر للبطش وتساعد في التشويه، وهناك تطور في صور وأشكال الاختراق جديدة بعد الاستفادة من الأخطاء السابقة. ولعل التحذيرات المستمرة من مخططات احراق مصر والاعتداء على منشآت الدولة مع عدم القبض على المخططين المزعومين يعطي إشارة واضحة عن مخطط الاختراق والتوجيه، كما يفرض نفسه كتحدي حقيقي للثورة إذا تم افتعال هذه الأحداث مع مقدمات ادخال الرموز العامة في تحقيقات الشغب كما حدث مع أيمن نور ونوارة نجم وغيرهم. – أزمات عام من الاستقطاب، وهذا الاستقطاب مع ارتفاع سقف المكاسب المرجوة حاضر وبقوة ومتزايد في أفراد بعض الحركات خاصةً بعد خروج الحركات الإسلامية الكبرى واتهامهم لها بعقد الصفقات، وبعد تفجر أزمة الدستور والنفخ المستمر فيها لدرجة أن يتم جمع التوقيعات في الميدان لتشكيل مجلس رئاسي من البرادعي وأبو الفتوح وحسام عيسى مع التأكيد أنهم من سيقوم بالإشراف على الاعداد لكتابة الدستور أولا!! وهذا الاستقطاب والشحن المتزايد يتحمله الجميع دون استثناء تيار عن آخر، وهو جدار يكفي أن تتحطم عليه موجات ثورية متتالية وليس موجة واحدة فقط. وهو يذكرنا ببعض أسباب فشل الموجة الثورية في البرتغال 1974م وعلى ضوء هذه المستجدات فتحديد موعد 25 يناير كموعد لتسليم السلطة أو لموجة ثورية ضد المجلس سيكرس ـ من وجهة نظري ـ التحييز عن الجماهير وعن النخبة السياسية ولا يوجد آلية واضحة لمنع اختراقه أو توجيهه وقد ينتهي بزيادة في الاستقطاب في الحراك الثوري في مصر، ولذلك فأفضل أن تكون وقفة تأكيدية على مطالب الثورة ورفض ممارسات المجلس العسكري. مع الأخذ في الاعتبار مجموعة من المقترحات في المرحلة القادمة للتعامل مع المستجدات الحالية ، وهي في نقاط:

أولاً: اعتماد أسلوب “الثورة الدوارة” إن صح التعبير، حيث يتم الاتفاق على التظاهر في محافظات مختلفة ويقوم أهل العاصمة بدعم الأقاليم وليس العكس، لاستعادة الزخم الثوري وكسر محاولات الحصر والتحييز .

ثانياً: التركيز على المطالب المشتركة بغرض التأكيد عليها وجمع الجماهير عليها واستعادة الثقة ، مثل رفض استمرار حكم العسكر – المطالبة بمحاكمة القتلة – تطهير الداخلية – وقف المحاكمات العسكرية ، دون الخوض في كيفية تسليم السلطة مؤقتا أو وضع آلية مقبولة عند الجماهير مثل فتح باب الترشح للرئاسة.

ثالثاً: تقديم الرمزيات الدينية والسياسية التي تدعم هذه المطالب وجذبها للميدان وليس العكس، لاستعادة مركزية الميدان ومحوريته وللالتفاف على محاولات افقاده المشروعية.

رابعاً: الاتفاق على آليات أو توجيهات يتم تعميمها بكل الوسائل ، تضيق فرص الاختراق وتزيد من وعي المشاركين في التعامل مع المواقف الفجائية، وتعطي روح جماعية وأخلاقية للثورة.

خامساً: دعم الحركات الإسلامية الرافضة لفكرة التحالف أو دعم المجلس العسكري والمعروفة بمواقفها في مناصرة الحقوق، استحضارا لكلام الشاعر الثوري تميم البرغوثي:” إن شيوعيا ثوريا أو قومياً ثورياً أو ليبرالياً مصلحاً لا يشكلون خطرا على الحاكم كالذي يشكله الإسلامي الثوري”..” وسيقدر للثورة المصرية النجاح حين يتغلب الاسلام الثورى فى مصر على الاسلام غير الثورى .. حين يتغلب الشيوخ الذى لا يخافون فى الله لومة لائم ويقفون وقفة الرجال امام الطغاة والظلام على الشيوخ الذين يحرمون الخروج على الحاكم الظالم وعلى اشيوخ الذين يرضون بالظلم و يرضون بهتك اللأعراض ويسكتون عن الاحتلال ويسكتون عن التعاون مع الاحتلال ويسكتون عن كل هذه المظالم ” وهذا الكلام يعكس فهماً ثاقباً لطبيعة بلادنا وثقافتها، ويخطيء من يحاول استنساخ تجارب الثورات العالمية دون أو يضع في حساباته الخصوصيات الثقافية والتاريخية للشعوب والدول.

والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون


التعليقات