قبل أن تنتخب … طاغية

يرجى ملاحظة أن هذه المقالة من المقالات القديمة التي لا يتطابق تاريخ نشرها على الموقع مع تاريخ نشرها الفعلي

الحمد لله العزيز الحكيم؛ رفع أهل التقوى والإيمان فهم أعزة، ووضع أهل الظلم والطغيان فهم أذلة، نحمده حمدا كثيرا، ونشكره شكرا مزيدا، فهو مبتدئ النعم ومتممها، وهو دافع الضراء وكاشفها ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ توكل على الله تعالى فكفاه، وركن إليه فآواه، واعتز به فأعزه، واستنصره فنصره إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ تركوا الدنيا طلبا للآخرة، ففازوا بالدارين، ونالوا الحسنيين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين،

وبعد.. فإن أعظم كبيرة خصها الله تعالى في كتابه بتفصيل عقوبتها وأحوال أهلها هي كبيرة الظلم ، ولكنه سبحانه لم يذكر أهلها بصيغة المفرد ولكن بصيغة الجمع يختصمون ويتنازعون في دركات الجحيم ــ أعاذنا الله وإياكم منها ــ.. وذلك لأن الظلم كبيرة لا تقوم وتقوى في المجتمع إلا بتكاتف جموعٍ لدعمها أو للسكوت عليها ، ولقد خاطب الله الناس أجمعين في الحديث القدسي فقال: “يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا“.. ولقد وردت الآيات والأحاديث في العقوبة على الظالم ومن يدعمه ومن يدخل عليه ومن يسكت عنه ، فأحوال المسلم مع الظلم كما قال في الحديث الصحيح :”انصر أخاك ظالما أو مظلوما“، قالوا: يا رسول الله؛ ننصره مظلوما، فكيف ننصره ظالما؟ فقال: “تحجزه ــ أو تمنعه ــ من الظلم، فإن ذلك نصره” ، فلا يجوز في حق المسلم السكوت والانزواء بينما يرى الظلم.. ولذلك قال “إذا رأيتَ أمتي تهاب أن تقول للظالم: يا ظالم، فقد تُودِّع منهم” أي لا خير فيهم ، فالهيبة أوالخوف من كلمة الحق في وجه الظالم ليست عذراً للأمة، ولذلك جاء في في صحيح مسلم عن ابن مسعود: “… ثم إنها تخلف من بعدهم خُلُوف، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يُؤمرون، فمَن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومَن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومَن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل” فجعل الانكار القلبي على الظلم أضعف الإيمان فكأن ما وراء ذلك النفاق والعياذ بالله، فلا عجب أن من يعين الظالمين يظن الأمن والرزق في أيديهم ولو صحح إيمانه ما أعان أمثالهم.. وهذا الوعيد والذم هوفي حق من اختار السلبية في مواجهة الظالمين، أما الذين يدعموهم تعللا بالاستضععاف أو بحثاً عن المنفعة أو تصديقاً لإعلامهم الكاذب ، فما ذكر من عذابهم أعظم من أن تتحمله الجبال..

فهذا الرسول يقول :”سيكون بعدي أمراء فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه وليس بوارد علي الحوض ومن لم يدخل عليهم ولم يعنهم على ظلمهم ولم يصدقهم بكذبهم فهو مني وأنا منه ، وهو وارد علي الحوض” فأي شيء ينفعك وقد تبرأ منك الرسول وتوعدك بعدم الورود على حوض الكوثر يوم العطش الأكبر ؟! وتأمل قوله “وصدقهم بكذبهم” فهو ملمح في من يعين الظالمين فهو يعلم كذبهم ولكنه يفضل الانخداع له ويظن ذلك ينجيه ـ وهيهات ـ.. فأعوان الظالم معه في كل موضع عذاب،قال تعالى عن فرعونَ (فأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) فأدخل أعوانه في وصف الظالمين ولم يفرق بينهم في عذاب الدنيا.. ثم في المحشر ينادى عليهم جميعاً قال تعالى يوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب وفرعون لم يكن له ولد وزوجته كانت مؤمنة ، ولكنه قصد أن كل من أعانه فهؤلاء م “آله” .. والتعلل بالضعف ليس حجة قال تعالى: (وَبَرَزُواْ للهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللهِ مِن شَىْءٍ قَالُواْ لَوْ هَدَانَا اللهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ) ، وقال تعالى (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ) ، فلن ينجي المرء من عذاب الله أنه تابع ضعيف بل أتباع الظالمين مع الظالمين كما أتباع الصالحين مع الصالحين.. كما أن الحسنات والصدقات لن تنفع أو تغمر هذا الذنب بل في حديث المفلس ـ كما قال الرسول ـ أنه يأتي بحسنات كالجبال فتُوزع على المظلومين ثم يحمل من أوزراهم ، فحقوق العباد لا تسقط بالطاعات..

كما أن التعلل أن التصويت أو انتخاب طاغية أو ظالم ليس عوناً له لن يخفف من هذا الجرم والذنب بل هو أشد لأنه إقامة للظلم وليس مجرد عون له ، وكما قال ابن تيمية للسجان: والله لولاكم ما ظلموا.. ولقد جاء خياطٌ إلى سفيان الثوري فقال: إني رجل أخيط ثياب السلطان [وكان ظالما] فهل أنا من أعوان الظلمة ؟ فقال سفيان: بل أنت من الظلمة أنفسهم، ولكن أعوان الظلمة من يبيع منك الإبرة والخيوط !!، وذلك أن خياط الظالم وطباخه وحاجبه هم من حاشيته التي لا بد أن تتلبس بظلم الناس مثله.. ولقد قال ابن تيمية رحمه الله عن طائفة من أهل العلم: “أعوان الظلمة من أعانهم ولو أنهم لاق لهم دواة أو برى لهم قلما ومنهم من كان يقول بل من يغسل ثيابهم من أعوانهم وأعوانهم هم من أزواجهم المذكورين فى الآية فان المعين على البر والتقوى من أهل ذلك والمعين على الاثم والعدوان من أهل ذلك” ، فهذا كله في ظلم واقع بالفعل ، فما بالكم بمن بعقوبة من ساعد على إقامو هذا الظلم في الأرض وتمكنه؟!، فهذا داخل في قوله : “من سن سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها” .. فالأمر ليس مجرد انتخاب بل هذا الاختيار قد يعرضك إلى سخط الله كما قال : «مَنْ أَعَانَ عَلَى خُصُومَةٍ بِظُلْمٍ ، أَوْ يُعِينُ عَلَى ظُلْمٍ،لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ» فهل يقوى أحد على سخط الله تعالى؟! وهل يأتي مع سخطه سبحانه الرزق أو الأمن أو الرخاء؟!.. لقد روي عن ابن عباس  قال : قال رسول الله :«من أعان ظالما ليدحض بباطله حقا فقد برئت منه ذمة الله و ذمة رسوله» فتبرأ منه ذمة الله ثم يتبرأ الظالم من أعوانه ويتبرؤون هم منه ليكن ذلك عليهم حسرة ؟! فنحن في موقف فارق لأننا نختار بين أن نكون بلاد تائبة ترجو من الله خير الدنيا والآخرة وبين أن نكون كالقرية الظالمة تظن القوة بيد البشر لا خالقها ، وتحسب أنها قد تقومه بالظلم فتدعمه ، وتتناسى أن سنة الله الغالبة في مثل هذا نزول العذاب كما في قوله تعالى: (وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِـمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ * فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ * لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا إنَّا كُنَّا ظَالِـمِينَ * فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ) .. ويخطئ من يجادل في وصف الظلم أو ثبوته على من تلطخت يده بدماء الشهداء وافتخرأن الطاغية السابق مثله الأعلى وبعد أن هدد بقتل من يعترض على فوزه وبعد استعانته في كل مدينة وقرية بأكابر مجرميها .. وهل ينفق هؤلاء أموالهم لدعمه إلا وقد وعدهم بأضعافها ..

وأما الواهمين الساعين خلف سراب الاستقرار والأمن الذين يظنون أن الظالم قد يخفف ظلمه فأنتم كالمستجير من الرمضاء بالنار… فالذين يثيرون الخوف بينكم ويختلقون الأزمات ليدفعوكم دفعاً للتصويت لنظامهم لا يحترمون حقوقكم، ومن لم يحمكم وهو في حاجة لأصواتكم فذلك أولى وقد ملك رقابكم،وقد جربتم من قبل الوعود عقوداً طويلة فما زادتكم إلا خوفاً وفقراً، فعودوا إلى مولاكم فإن الظالمين لا يملكون رزقاً ولا أمناً بل هو سبحانه الرزاق ذو القوة المتين .. ولا يغرركم حالهم ففي الحديث الصحيح عن أبي موسى الأشعريّ قال: قال رسولُ الله: “إنَّ الله يملي للظالم فإذا أخذَه لم يفلته“، ثم قرأ قوله تبارك وتعالى: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ

وأخيراً أقول لكم … العبيد ينتخبون سيداً يسوقهم بالعصا والجزرة ، والأحرار لا ينسون دماء شهدائهم ولا يتخلون عن حقوقهم ، فاسلكوا درب الأحرار ولا تعودوا لحياة العبيد فإنكم لم تولدوا متاعاً يورث أو ظهراً يُركب.

والله غالبُ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون


التعليقات