سر الطاعة

النظر إلى الباعث على إتيان الفعل أو عدم إتيانه هو جوهر الطاعة وسرها، فإذا كان الحامل على الطاعة الوقوف على المصلحة من ورائها إن كانت أمرا، أو الوقوف على مفسدتها إن كانت نهيا: فليس ذلك من الطاعة، لأن ركن الطاعة التسليم للمُطاع بغض النظر عن عَقْل الأمر أو النهي… ولهذا لم تلتزم التشريعات ببيان السبب الحامل على الأمر أو النهي أو التصريح بالعلة من وراء هذا الأمر أو النهي من أجل لَحْظ الجانب التعبدي في تلك الشرائع، فإذا ذُكرت العلة فالسبب الرئيس وراء هذا الذِّكْر التنبيه على عدم اقتصار الحكم على الفرع المصرح به، وامتداده إلى غيره من الفروع بطريق القياس.

مما لا شك فيه أن الوقوف على العلة أو الحكمة الباعثة على الفعل مما يعين على الطاعة وعلى امتثالها، بشرط ألا تكون هي الدافع أو المحرك للامتثال..

وقد كانت هذه النكتة من الفوارق بين أهل السنة وغيرهم من أهل البدع والأهواء، فإن أهل السنة يُعْمِلون العقل في النص لفهمه وتطبيقه، وغيرهم يُعْمِل العقل مع النص وقبله لبيان قبوله ورده، فإذا قبله العقل – بناء على القواعد التي أسسها لقبول الشرائع – قَبِل النص، وإلا رده بتأويل أو تضعيف، فالعقل عنده حاكم على النص، ومهيمن عليه، وأما عند أهل السنة فإن العقل محكوم بالنص ومنقاد له، ولهذا لم يفصل ربنا تبارك وتعالى بين سماع المؤمن للنص وبين طاعته (وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير)، وقال في صفة المؤمنين: (إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا).

ويمتد هذا المفهوم إلى طاعة الزوجة لزوجها أيضا، فإذا أرادت المرأة أن تفهم و(تقتنع) بكل أمر لزوجها فليس ذلك من الطاعة، لأن الداعي أو الحامل لها على الفعل ليس التسليم له بقيادة زمامها؛ وإنما عقل الفعل، والوقوف على ما فيه من مصلحة إن كان أمرا، أو مفسدة إن كان نهيا… نعم تختلف ضوابط طاعة الزوجة لزوجها عن طاعة المكلف لصاحب الشرع، وهذا طبيعي بالنظر إلى المُطاع، فطاعة الله تبارك وتعالى مطلقة، وطاعة الزوجة لزوجها مقيدة بطاعة الله تبارك وتعالى، إذ طاعة الله تبارك وتعالى هي مصدر طاعة الزوجة لزوجها، فإذا أمرها بما فيه معصية لله تبارك وتعالى لم يكن عليها طاعته في ذلك.

ومع ذلك فمما لا شك فيه أن الوقوف على العلة أو الحكمة الباعثة على الفعل مما يعين على الطاعة وعلى امتثالها، بشرط ألا تكون هي الدافع أو المحرك للامتثال، فالوقوف على العلة أو الحكمة ليس ركنا أو شرطا للامتثال، وعدم عقل الأمر أو النهي لا يعدم الأمر بالامتثال.


التعليقات