ومع كل مكرٍ شيطاني لطفُ وتدبير رباني ..
قال تعالى [ ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين] .. والواو هنا للمصاحبة فمع مكر الظالمين المكر الرباني بهم فهو كالجزاء لهم من جنس عملهم ..
وهذا المكر جزء من مكرهم وليس خارجا عنه قال تعالى [ استكبارا في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله] ، ولعل الاستكبار باب المكر بهم ..
والسجن والقتل والتهجير هو من المكر السيء فقد قال تعالى [وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين] ..
وتأمل كيف ألقى إخوة يوسف أخاهم في الجب فكان سببا في رفعته عليهم ، وكيف ألقى النسوة يوسف في السجن فكان سببا في انفضاح أمرهم بين يدي الملك وحصحص الحق ..
وتأمل كيف جمع فرعون السحرة للاستعلاء على موسى والطعن فيه فكان سحرته لموسى عليه ، ثم كيف جمع جنده لإهلاك بني إسرائيل فكان سبب نجاتهم وهلاكه..
وتأمل كيف أراد الملك الجائر قتل الغلام لتغييب الحق فذاع الحق ورسخ في النفوس ، ثم كيف سولت له نفسه حرقهم فأذاقه الله عذاب الحريق..
وتأمل كيف أراد أهل مكة تأليب النجاشي على الصحابة فكان سبب إسلامه وتوطيد شأنهم ، ثم كيف أرادوا قتل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لوأد الإسلام فقامت دولة الإسلام في المدينة ..
ثم تأمل سير أحمد بن حنبل وابن تيمية والعز بن عبد السلام في السلف وكيف ارتفع ذكرهم وخلدت مواقفهم ملهمة للأحرار وجميعهم كان المقصود تغييب ذكرهم ..
ثم تأمل كذلك في حسن البنا وسيد قطب كيف أضفى استشهادهم قوة وانتشاراً لمنهجهم وذكرهم ..
وفي ذلك قال الشاعر أبو تمام:
وإذا أراد الله نشـــر فضيـــلــة **** طويت أتاحَ لها لـسانَ حســود
لولا اشْتِعالُ النار فيما جاوَرَت **** ما كانَ يُعْرَفُ طِيبُ عَرفِ العود
ولكن هذا التدبير الرباني لا يكون مكرا بالمجرمين والظالمين إلا إن كان في خفاء عن أعين الناس وموازينهم حتى يستيأس أهل الحق ويظن ضعاف الرأي والنفوس أن الغلبة للبغي والظلم ، ولكن السنة الربانية أن [ومكر أولئك هو يبور] ..
وبهذا التدبير الرباني تحقق سنتي “الابتلاء” و”التمحيص” للفئة المؤمنة ، فالواجب علينا في حال المكر الكبارا تلمس الحكمة الربانية والثبات والتواصي بالصبر ، قال تعالى [حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء].. وقال [أتى أمر الله فلا تستعجلوه] … فنصر الله حق وأمره ماض لا يؤخره مكر ولا يقدمه استعجال …
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون..
التعليقات