الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير الرسل أجمعين وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين ، وبعد فمن الإشكاليات الموجودة في الصحوة الإسلامية الجنوح إلى (جَلد الذات) عند البعض ،ونقيضه عند البعض الآخر (الإعجاب بالذات) ، ولا أقصد بالذات -هنا- ذات الأخ ولكن أقصد الصحوة بأكملها باعتبار الإنتماء لها حتى تصير للمرء نفسه وذاته
جلد الذات
بعض الأخوة يتقن ويتفنن في (جلد الذات) حتى تكون على يقين أنه لن يسمع بعملٍ ولن يُشاهد إنجازاً ولن يقرأ طرحاً إلا رآه دون المستوى ولا يفي بالمطلوب ولا يحقق نتيجةً تستحق الذكر، فهو لا ينظر للصحوة إلا بعينٍ ترى (النقائص) و (المثالب).. فالصحوة (منقسمة على نفسها) و (يسهل التلاعب بها) و (يكثر المندسون داخلها) و(تفتقر للتخصصية والحرفية) و(لا تملك أجندة حقيقية ولا خطة واقعية) .. أما الأصل في الأخوة فهو (التساهل في الحقوق) و (عدم الدقة في المواعيد) و (سوء الخلق والتعصب ضد المخالف) و (عدم الاستمرارية أو الانضباط أو الانتظام في أي عمل دعوي) مع (ضعف التحمل للمسئولية).. وقد تكون بالفعل هذه الإشكاليات موجودة، ولكنه يحول أدب “النقد والنصيحة” إلى (نقض للبنيان) ، ويستهويه إلقاء اللوم على الجميع حتى (نفسه) ، ويصاحب ذلك ـ بطبيعة الحال ـ يأسٌ كامل من تغيير الواقع ، وقد يتطور ذلك لإعجابٍ – في بعض الأحيان – بالعدو إذ كل هذا جزءٌ من مخططاته المحكمة المتقنة الفاعلة في جميع قطاعات الواقع!!
الإعجاب بالذات
وعلى النقيض تجد صنفاً آخر مبتلى بـ (الإعجاب الشديد بالذات) … فالصحوة اليوم هي صحوة (العلم بعد الجهل) ،و (الحكمة بلا طيش) ،و (الإنجازات الرائدة التي لم تتكرر من قبل) ، و (المنهج المتكامل) – وغالب الأتباع يعتبرون الميزة الكبرى في العمل الذي ينتمون إليه “المنهج المتكامل” -!!! ومن هذا الصنف من يعتبر كل مشاهد للقنوات الفضائية (طالب علم)، وكل خطأٍ أو سكوتٍ عن الحق (حكمة) ، وكل مطوية للتذكير بفضائل الأعمال (جهاد) ، وعنده يقينٌ لاشك فيه أن الصحوة سارت قاب قوسين أو أدنى من تحقيق النصر وإقامة السنة.. وهذا الصنف من الأخوة يرى كل نصيحة أو نقد (حربٌ على السنة) ، وكل اختلاف مع المألوف لديه (خروج على الشرعية) ،وقد يضطر لإضفاء الشرعية على بعض العيوب والآفات حتى لا تهتز الصورة الكاملة التي رسمها.. فإشكاليات الواقع – عند هذا الصنف – ليست من داخل الصحوة بل – جميع أسبابها أو الأغلب- ليس للصحوة يدٌ فيها أو على أفضل الأحوال يكمن السبب في التيارات المخالفة لتياره داخل الصحوة .. وبين هذين الصنفين تُستهلك الأوقات وتضيع الجهود وتخور العزائم وتتحقق مكيدة العدو -في هذا الجانب
وقفات مع الطرفين
ولعل كلاً من الطرفين يحتاج أن يتذكر ما يلي
1- أهمية التوازن في النظر وعدم الإغراق في جانب على حساب جانب
فالله ـ سبحانه وتعالى ـ يقول : [اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى] والعدل إعطاء كل ذي حقٍ حقه بلا زيادةٍ ولا نقصان
2- التحذير من ترك العمل
فإنه ما ترك قومٌ العمل إلا أورثوا الجدل ،ولو انشغل كل من الصنفين بالعمل لدين الله لسد (الأول) النقص الذي يراه ، ولرأى (الثاني) العيب والخلل وتذوق معنى الخطأ
3- ولنتذكر قبل (جلد الذات) ما ذكره الشيخ سيد قطب رحمه الله
أن كل إنسان فيه بذرةٌ للخير مهما غطاها الشر وأننا في حاجة لإيجادها وتقويتها ،وأن هذه الأمة كالغيث لا يُعلم أوله خيرٌ أم آخره ، فلنترك هواية النظر إلى النصف الفارغ من الكوب.. ولا يكن أحدنا عوناً للشيطان على أخيه
4- وفي مقابل (جلد الذات)
نحتاج أن نتذكر أن لمح الخطأ والخلل وتحديد موضعه قد يكون مزية وهبة إذا استخدمها الطبيب لتحديد مكمن المرض وتوجيه المريض للعلاج الصحيح فإذا عزف الطبيب عن إيجاد العلاج واكتفى بحسن التشخيص فإن المسئولية تكون مضاعفةً عليه ، وهكذا الحال بين يدي الله يوم القيامة
5- وكذلك قبل (الإعجاب بالذات)
نحتاج أن نتذكر قول الله تعالى:[أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ] فمن ضعف الإيمان وسوء الأدب مع الله ألا نعترف بأن ما يصيب الأمة اليوم من ذلٍ وهوانٍ هو من تقصيرنا وعيبنا والصحوة بمجموعها داخلةٌ في هذا لا يُستثنى منه أحد
6- ونحتاج أن نتذكر أن (الإعجاب بالذات )
لم يكن هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأنه أبعد ما يكون عن خلق المؤمنين وسمت السلف الصالحين ،وإنما كان الافتقار إلى الله ونسبة الخير كله إلى الله هو خلقهم ، وما سمعنا أن أحد السلف اتهم منتقديه بالحسد أوالجهل أو غير لك بل كان قولهم (جزى الله خيراً من أهدى إليّ عيوبي)
7- ونحتاج أن نتذكر الأخوة في الله
وأن غايتنا واحدة وقضيتنا واحدة وعدونا واحد لا يُفرق بيننا، والنصر يحتاج إلى أن ننتصر على أنفسنا ونتعلم كيف نتكامل فيما بيننا، فلنخفض الجناب للمؤمنين ولنتعلم من نقد من خالفنا ، ولنعلي قيمة “حسن الظن” كانت هذه تذكرة سريعة فإن الذكرى تنفع المؤمنين.. ولعلنا نسعد بعد ذلك بأن يتحول (جلد الذات) إلى (نقدٍ بناءٍ) .. وأن يتحول(الإعجاب بالذات) إلى (الاعتزاز بالإسلام) .. فتتحول صفتان من أكثر الصفات سلبية إلى طاقتين من أعظم الطاقت الإيجابية .. والله الهادي إلى سواء السبيل
التعليقات