الهيمنة الأمريكية على مصر بعد الثورة (3)

يرجى ملاحظة أن هذه المقالة من المقالات القديمة التي لا يتطابق تاريخ نشرها على الموقع مع تاريخ نشرها الفعلي

– أمن الوطن وأمن إسرائيل –

في محاضرة ألقاها آفى ديختر وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي بتاريخ 9/2008 قال:” إن القاعدة الحاكمة لموقفنا هي أن مصر خرجت من الصف العربى ولن تعود إلى المواجهة مع إسرائيل. وذلك موقف يحظى بالدعم القوي والعملي من جانب الولايات المتحدة” .

هذا التصريح الواثق والذي وافق زيارة ليفني الشهيرة وتهديدها
باجتياح “غزة” من مصر؛ كان نتاجاً لحلقات من الخيانة التي تلطخت بها أيدي مبارك وزمرته الفاسدة ، وهو مرآة تعكس حجم الثقة والتعاون والتقارب بين مبارك والكيان اللقيط كان منها زيارات مبارك لإسرائيل المتكررة الغير معلنة ـ التي كشفتها وثيقة أمريكية حديثة ـ (1) ، فلا عجب أن تطالب الحناجر الإسرائيلية بإطلاق اسم “مبارك” على أحد شوراع تل أبيب.

هذه العلاقات الحميمية لم تكن خاصة بمبارك فقط ، بل شاركت عدة قيادات أمنية ومخابراتية في هذا التوجه الخياني المتقارب مع أمريكا وإسرائيل عند مبارك ، ولقد أُثير هذا الأمر بعد الثورة ولكن كالعادة تم الاكتفاء بتحويل الأمر إلى التحقيق ، ودمتم.

وبداية نورد بعض الأمثلة توضح مدى التقارب بين الأمن المصري والمنظومة الأمنية الأمريكية ـ الإسرائيلية بصورة تجعل هذا الجهاز محل اتهام:

– خوف أمريكي على مستندات أمن الدولة(2) :

وتمثل ذلك فيما نقله موقع “ديبكا فايل” المخابراتي وقتها أن أوباما أوفد وزير دفاعه ” جيتس ” إلي مصر فور اقتحام مقرات أمن الدولة في الثورة ، وذلك على حد تعبير الموقع لأن سقوط مقرات أمن الدولة أتاح اطلاع عناصر وصفت بأنها «مناهضة للولايات المتحدة» على ملفات سرية لكل القادة السياسيين والعسكريين فى مصر.

وليس العجب ـ فقط ـ من الهلع الأمريكي جراء تسرب وثائق تخص أمن دولة أخرى ، ولا حتى التحرك على أعلى المستويات تصل إلى إيفاد وزير الدفاع وعدم الاكتفاء بمبعوث رسمي ، ولكن الأعجب أنه في نفس اليوم صدرت أوامر عسكرية ـ في مصر ـ بتسليم كافة الوثائق المتعلقة بأمن الدولة الموجودة بحوزة المواطنين، ومنع تداولها في وسائل الإعلام والتشديد على ذلك المنع بدعوي حماية الأمن القومي.

بينما هذه المستندات كانت تفضح كثير من الرموز الإعلامية والسياسية والدينية التي لا تزال تظهر بمظهر الأبطال بينما كانت تتحرك بأومر أمن الدولة .

– حفظ المعلومات… مِن مَن؟!

ولتكتمل الصورة تحتاج أن تعرف أن الشركة التي كانت مسئولة عن تأمين وحماية النظام المعلوماتي في مصرـ بالكامل ـ كانت شركة أمريكية يهودية اسمها ” سيف نت ” مقرها الرئيسي في واشنطن ومقرها الإقليمي في تل أبيب لها إمكانية الاطلاع والاحتفاظ بنسخة من المعلومات(3) ، وبالتالي فمعلومات النظام المصري بكل فروعه الاقتصادية والأمنية والاجتماعية والثقافية كانت لدي واشنطن وإسرائيل ، ولا ندري لماذا تم إلقاء اللوم كاملا على أحمد نظيف في التعاقد مع هذه الشركة رغم أنه أقل المسائلين عن هذا الخلل ؟! .

فوزير الداخلية ورئيس أمن الدولة ورئيس المخابرات هم المسئولون أولا عن هذا الخلل الذي أدى إلى تسريب كامل للمعلومات التي يصعب تغيير تفاصيلها لعشرات السنوات القادمة؟!
فهل تمت محاكمة العادلي أو حسن عبد الرحمن على هذه الجريمة وغيرها ؟!
للأسف لا، وإنما تم إلهاء الشعب في فرم المستندات والتكسب غير المشروع ، وغيرها من ملهيات الشعوب وصور التلاعب بها.

– وكالة التعاون الأمني الدفاعي:

التعاون الأمني الدفاعي بين مصر وأمريكا خيار استراتيجي منذ عهد مبارك ، حيث أن مبارك كان يعتبر الحركات الإسلامية هي العدو الأول له ولأسياده في البيت الأبيض ، وهو أول من دعا للتعاون العالمي المشترك في مكافحة الإرهاب، وهذا الإرهاب لم يكن المقصود به تفجير السفارات أو العمليات ضد المدنيين بل كان بالأساس ضد كل ما يمثل تهديدا للمصالح الأمريكية ، فلقد قدمت الأجهزة الأمنية مساعدات كاملة لأمريكا في حربها التي أدت إلى احتلال بلدين مسلمين ، حيث كشفت عدة تقارير صحفية عن انتشار السجون السرية الأمريكية في 66 دولة على الأقل منها مصر والأردن وسوريا والمغرب وباكستان وجيبوتي وإثيوبيا وتايلاند ورومانيا، واستندت هذه التقارير على معلومات صادرة عن منظمة حقوق الإنسان الدولية “هيومن رايتس ووتش” عن السجون السرية في مصر وتعاون مصر مع الاستخبارات الأمريكية في إطار سياسات مكافحة الإرهاب ، لدرجة أن التقرير ذكر أن المعتقلين كان يتم تهديدهم إذا لم يتجاوبوا مع المحققين الأمريكان، بالترحيل إلي مصر(4).

وعلى صفحة السفارة الأمريكية في مصر الحديث عن التعاون الأمني بين البلدين ، وبرنامج زمالة مكافحة الإرهاب(CTFP) وتدريب ما يقارب 800 ضابط في مجال مكافحة الإرهاب ، وجميع التصريحات الأمريكية حتى الآن تؤكد رضا الجانب الأمريكي باستمرار دور مصر في حفظ الأمن الإقليمي والتعاون الأمني.

– التعاون الأمني المصري ـ الإسرائيلي(5):

أشهر مثالين على التعاون أمن الدولة مع اليهود ضد الحركات المقاومة في غزة مثال “يوسف أبو زهري” من حماس ومثال “درويش الغرابلي” من حركة الجهاد ، حيث مات “أبو زهري” من أثر التعذيب بالكهرباء وكانت التحقيقات معه تدور حول موقع “شاليط” ومعلومات خاصة عن أخيه وكتائب القسام! كما ذكر من كان معه من المعتقلين .

أما “درويش الغرابلي” القيادي في الجهاد الإسلامي فقال: “كانوا يطرحون من الأسئلة ما يشير إلى أنهم مرتبطون بالكامل مع أجهزة المخابرات الإسرائيلية والأميركية”، وأكد أن لديه معلومات موثقة أن أجهزة الحاسوب الموجودة في السجون المصرية مرتبطة بشبكة داخلية مع مخابرات دول أربع هي الأردن والسعودية وإسرائيل والولايات المتحدة، وأوضح أن المحققين سألوه وزملاءه الخمسة عن تحركات الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي رمضان عبد الله شلّح ورقم ولون سيارته، وطلبوا معلومات عن قيادات سياسية وعسكرية من الحركة وأماكن وجودهم وبيوتهم ومرافقيهم وأماكن سكناهم وأماكن تصنيع وتخزين الصواريخ والمعدات العسكرية في غزة.

منظومة الخيانة لم تكن مبارك فقط ، لقد كانت منظومة متكاملة من قيادات قبلت العمل ضمن منظومة مبارك ، وهذه الخيانة يتم التكتم عليها من بعد الثورة ولا يُراد لها أن تُفتح ، مع صورة هزلية يعلم الجميع أنها هزلية ، وهي حل أمن الدولة وإنشاء الأمن الوطني بنفس المقرات والقيادات تحت الشعار الهزلي.. “اديلوا فرصة”!
وليس العجيب أن تتم حركة تنقلات وهمية للأسماء المعروفة إلى أمن المطار أو غيره ، ثم يعودوا من جديد إلى الجهاز في حركة لاحقة، ولا هو مستغرب أن يخرج حسن عبد الرحمن والعادلي براءة من تهمة قتل المتظاهرين والاكتفاء بإدانته في الكسب الغير مشروع .

فالحقيقة أنه لم يتم إدانة ضابط واحد في أمن الدولة في أي قضية منذ الثورة، وأن هذا الجهاز يعتبر نفسه أسياد الداخلية وليس فقط أسياد الشعب ، وأسرار كثير من الشخصيات السياسية والقضائية والإعلامية والإقتصادية المرموقة تحت يده ، فلا عجب من المعلومات التي بدأت تظهر في العلن أن بعض ضباط الجهاز خلف الفوضى وحالة العنف في البلاد ومن مؤسسي البلاك بلوك.

والحقيقة أن ملف التعاون الأمني هو من المحرمات التي لم يصل إليها بعد حرية الإعلام وإبداء الرأي ، ولم يتم مناقشتها في جلسات مجلسي الشعب والشورى ، ولم يتم التحقيق الجاد فيها ولا محاسبة القيادات التي قبلت المشاركة فيه وفق أجندة مبارك.

– أمن الدولة والانحلال الخلقي(6):

واستكمالاً للانسلاخ من هوية وأعراف البلد ، تجد في تقرير الجزيرة عن اقتحام جهاز أمن الدولة شهادات على بدل الرقص وزجاجات الخمر في مشهد يبدو فيه التحلل الواضح عن أعراف وأخلاق هذا الشعب ، والأمر لم يكن يحتاج شهادة على زجاجات خمر فالهياكل العظمية في مباني الجهاز كما في دمنهور أفحش واعظم عند الله ، وما نقله المعتقلين الإسلاميين من تجرؤ بعض ضباط الجهاز على المقدسات الإسلامية أمر متواتر بينهم ، وهذا وإن لم يكن ذو صلة بالهيمنة الأمريكية مباشرة لكنه مؤشر على التوافق والانسلاخ عن أعراف وقيم البلد مما يجعل مثل هذه القيادات أقرب ما يكون للمنظومة الأمريكية .

أضف إلى ماسبق أن ملف البلطجة الذي أثار “أبو العلا ماضي” الحديث عنه وأن الرئيس أخبره عن جيش من البلطجية تديره بعض أذرع المخابرات ضده ، هو ملف مشترك وأن أمن الدولة هي المعنية بهذا الملف جمعا وترتيبا وأنها أكثر جهاز قام بتجنيد أشخاص في شبكة مازالت فاعلة داخل مؤسسات الدولة ، وأن أجهزة الأمن كانت ضالعة في جميع مخططات إفشال الثورة إبان الثورة ، فلماذا تم تحييدها ذهنيا عند الكثير عن مسار إفشال الثورة الذي استمر ولم يتوقف ؟! ،
هل حقا تغيير اليافتات كافي أم محاكمة القيادات على الأقل هو ما يجب لتحقيق أهداف الثورة التي كانت تنادي بالخروج عن تبعية إسرائيل وأمريكا؟!

وعند الإطلاع على تاريخ هذا الجهاز في مصر سنجد أن سليم زكي أول رئيس له كان تلميذا لإنجرام وهو من مسئول أعمال التحريات في الحوادث السياسية التي كان يتعرض لها الأجانب في جهاز المخصوص إبان احتلال الانجليوي، ثم تتلمذ على يد سليم زكي حسن طلعت، وتتلمذ حسن أبو باشا على يد حسن طلعت، وتتلمذ على يديهما كل من فؤاد علام وحبيب العادلي، وتتلمذ حسن عبد الرحمن على يدي علام والعادلي ، فالجهاز منذ نشأته نشأ بتعاون مصري أجنبي وتم تغيير اسمه ولافتته كلما أثير الكلام حوله مع بقاء نفس المدرسة في قيادته.(7)

ولاشك أن سياسة الرئيس وكذلك الإخوان المتصدرين حاليا المشهد السياسي في التعامل مع هذا الملف سياسة مرتعشة وقلقة ويكاد ينحصر تصورها للخروج من الهيمنة الأمريكية على التقارب مع قوى عالمية أخرى كالصين وإيران ، ولكن هل سياسة الإخوان فقط هي محل الاعتراض في هذا النقد ، أين الشباب الثوري والائتلافات الثورية والحركات الثورية ؟! لماذا تجاهلت تماما هذا الجهاز ولم تقم بفعالية واحدة ضده منذ الثورة بينما بدأت مشوار الهدم في مرسي منذ أول يوم ؟! ..

وأجزم أن ملف أمن الدولة وملف التعاون الأمني المصري الأمريكي هو من أقوى ملفات الوصاية الأمريكية والذي يمثل حجر الزاوية في ثورات الشعوب العربية ، ومالم تقود الشعوب ثورة ضد كل قيادات وصور الهيمنة الأمريكية على المنطقة فلن تتنفس عبير الحرية ولا معاني الكرامة ، ولن تنفعنا الصين ولا إيران مادام البيت لا يزال مليئا بالثقوب …

وللحديث بقية بإذن الله

—————-
الهوامش:

(1) http://sabq.org/hFbfde
(2) http://digital.ahram.org.eg/Policy.aspx?Serial=443239
(3) http://www.youtube.com/watch?v=dAZhFn07jJE
(4) راجع مذكرات وليد الحاج ـ شاهد على العصر
(5) http://aljazeera.net/humanrights/pages/d31f6b99-bf0f-462e-a342-f4136601bd57
(6) http://www.aljazeera.net/news/pages/5950028c-cd94-4620-849d-8198ee2cdca3
(7) راجع جذور العداء ـ أحمد مولانا


التعليقات