المنهج التجريبي .. منهج سلفي! (أوروبا السلفية!!)

من عجيب القضايا السلفية التي يجب أن يتم تصعيدها.. أن المنهج العلمي الذي أرسته القواعد الفقهية الإسلامية المتصلة بالحياة منهج تجريبي في حقيقته، بينما المنهج الذي كان سائدا في تلك الفترات في حضارات العالم هو المنهج الأرسطي، أو النظري، أو المنطقي، فتأثرت المناهج الإسلامية لدى الفِرَق الحادثة (غير السلفية)، فانتحلت المنهج المنطقي الأرسطي، وحاولت دمجه مع القواعد العَقَدَية، فأنتجت مَسْخَا، لا سيما لدى الفلاسفة الإسلاميين والمعتزلة، بينما انتحل الأشاعرة ومن نحا نحوهم نفس المنهج، ولكن (للانتصار) لمذهب السلف، أو ما ظنوه مذهب السلف.. وغلب هذا المنهج على العلوم الإسلامية، حتى وصلنا إلى أن الغزالي في نهايات القرن الخامس جعل من هذا المنطق أساسا ومقدمة لكل العلوم الإسلامية، واعتبره معيارا لقبول تلك العلوم، وأن من لم يمارسها لا يوثق بعلمه!

بل إن المستشرقة الألمانية «كوج جلن» وضعت دراسة على صورة فرضية وسؤال: هل تأثر الغرب بانتقادات ابن تيمية للمنطق الأرسطي، وبنى نفرته عنه، ومنهجه التجريبي على هذا الانتقاد؟!

والأعجب أن (أوروبا) التي تفتخر بتاريخها اليوناني العريق تخلت عن هذا المنهج النظري، وانتحلت المنهج التجريبي الإسلامي (السلفي)، وجعلت من المنهج التجريبي أصل نهضتها.. ونهضت!!

بل إن المستشرقة الألمانية «كوج جلن» وضعت دراسة على صورة فرضية وسؤال: هل تأثر الغرب بانتقادات ابن تيمية للمنطق الأرسطي، وبنى نفرته عنه، ومنهجه التجريبي على هذا الانتقاد؟! وأيا ما كانت النتيجة، فمجرد طرح الفكرة يؤكد عبقرية ابن تيمية، وأن (سلفيته) لم تتوقف على (فروع) الشريعة والفقه، والطهارة والصلاة ونحوهما من عبادات، وإنما تعدتها لما هو أشمل وأخطر، وهي السلفية المنهجية، ولا أعني بالمنهجي المصادر التشريعية، لأنها من بدهيات المنهج السلفي؛ وإنما أعني المنهج الحضاري العلمي.

وتؤكد في نفس الوقت على توافق الخطوط العامة للمنهج التجريبي الإسلامي وبين المنهج الذي انتحلته أوروبا، ومحور سؤالها وبحثها عن علاقة (السببية) بينهما، فهل كانت هذه العلاقة سببا في هذا الانتقال، أم أن الموضوع لا يعدو أن يكون توافقا، أو أن هناك مصادر وروافد أخرى للمنهج التجريبي الأوروبي، مع الإقرار بسبق الفقهاء الإسلاميين له في صدر الإسلام، ومقاومتهم للدخيل في القرنين الثاني والثالث الهجريين، وإعادة المعركة في القرن الثامن لمواجهة المنهج المنطقي النظري الذي أعلن (انتصاره)، واستشرى بين الجميع، إلا من رحم الله..

إن (الثورة) على (الدخيل) الذي تسبب بتسربه البطيء والمؤثر، وخفوت الصوت السلفي التدريجي، الذي أدى بدوره إلى الكارثة الحضارية التي انحدر لها المسلمون هي من الجوانب المعقدة التي لابد أن يتبناها (حضاريا) المنهج السلفي المعاصر، كمنهج شامل، يقدم الحلول لكافة جوانب الحياة، بما فيها إبراز المنهج التجريبي، وضبطه بضوابط شرعية توقف التوحش العلمي الذي يرتبط بكل جانب حضاري يرتكن إلى التقعيد البشري، دون مراعاة التقعيد الإلهي.


التعليقات