بداية أعتذر عمن يتأذى من أهل مصر بهذا العنوان الذي لم أجد ما يعبر عن نوع السلوك السياسي والدبلوماسي المراد الحديث عنه أكثر قربا منه! ومع ذلك فإنني أؤكد على أن المعنى اللغوي للكلمة قد يتوافق مع المعنى الذي وضعه المصريين كحقيقة عرفية لمعنى «المحن»! فالمحن لغة هو النكاح الشديد! ويقال مَحَنَ الرجل زوجته، إذا نكحها، ويبدو أن الشدة فيها تأتي من المعنى الآخر للكلمة، فقولهم: «مَحَنَ البئر مَحْنًا» إذا أخرج ترابها وطينها!!
على كل الأحوال فإن المصريين يطلقون هذا اللفظ ويقصدون به الذم لمن يمارس نوعًا من النفاق بطريقة يدغدغ فيها المشاعر، دون أن يكون لها حقيقة علمية أو موضوعية! فالمحن طريقة استعطاف للآخر للحصول على مكاسب غير مشروعة، وبطريقة غير مشروعة أيضا، وتتعلق أساليبه بطريقة الراغب جسديا من الجنسين في الآخر لاستمالته وللإيقاع به! هذا ما أفهمه كمصري من هذا اللفظ!
وما زال المحللون يذكرون عناوين عريضة لتلك السياسة التي أراها مركبة من عدد من الأركان، فهي فعلا سياسة (اللقطة)، وسياسة الطاووس النرجسي، وسياسة شبه الدولة، وسياسة إفراغ مصر مع عقلها..
ولا يتوقف المحن على الرغبة الجسدية فقط؛ بل إن المصريين يسحبونه إلى غيره من المجالات، وأقول: إن هذا الأسلوب قد سرى واستشرى وانتحله أيضا رأس السلطة والنظام في علاقاته الدولية مع حكومات العالم! وهذه عبقرية وأوليّة تحسب له، فهو أول من استعمل طريقة المحن السياسي والدبلوماسي خارج النظام الاجتماعي، أو السياسي المحلي (النفاق الداخلي) إلى فضاء أرحب وأوسع، وهو المحن السياسي الدولي!
وما زلنا أمام ظاهرة سياسية فريدة من نوعها!
فريدة في نفاقها!
فريدة في عنفها!
فريدة في بجاحتها!
فريدة في حربها على دين الله تبارك وتعالى!
فريدة في تجاوز أي خط أحمر في التعامل مع المعارضين السياسيين!
فريدة في تجاوز الأعراف الثابتة في إبعاد النساء عن الضغط السياسي والعقوبة السياسية إلا في نطاق ضيق جدا، ولحالات بعينها!
فريدة في خسة التعامل، والمجاهرة بالخداع..
وما زال المحللون يذكرون عناوين عريضة لتلك السياسة التي أراها مركبة من عدد من الأركان، فهي فعلا سياسة (اللقطة)، وسياسة الطاووس النرجسي، وسياسة شبه الدولة، وسياسة إفراغ مصر مع عقلها، وسياسة إخراج المصريين من دينهم.. إلى آخر تلك الأوصاف، لكنها أيضا سياسة «المحن السياسي الدولي»!
ولعل هذه (السياسة) إن جاز أن نطلق عليها لفظ سياسة من باب الواقع، قد نتجت هذه السياسة عن سياسة النفاق والمحن الداخلي الذي يمارسه المرؤوس مع رؤسائه، حتى يترقى في المناصب سريعا، ويتجاوز أقرانه بغير وجه حق، بل لعله أقلهم كفاءة وقدرات، لكنه يترقى سريعا .. بالمحن!
ولا جائز أن يقال أن وصول وزيرة الصحة هالة إلى الصين للمساعدة والمعاونة، ثم إلى إيطاليا، ومعها معدات طبية وكمامات لا يجدها الأطباء في مصر، لا جائز أن يقال إن هذا من باب إغاثة الملهوف.. حاشا وماشا!!
هذا ما دفع رأس السلطة التي جربت هذه السياسة التي انطلقت به سريعًا حتى وصل بقدراته العقلية المحدودة إلى سدة جهاز يعتمد على القدرات العقلية الخارقة أو غير العادية في أقل تقدير! فوصل إلى نتيجة مفادها: إذا كانت سياسة المحن قد وصلت بي إلى هنا، ثم إلى رأس حكم مصر، بعد أن مارستها عليهم ببعض كلمات مثل «إن هذا الشعب لم يجد من يحنو عليه»، ومثل «وطن يعني حضن»، ومثل «انتو متعرفوش إنكم نور عنينا واللا إيه؟!»، وكأن يذرف الدموع، أو تمتليء عينه بماء الله أعلم بمصدره، وكيف وصل إلى عينه، وما هي الخاصية الشعرية الخارقة التي نقلته من (تحت) إلى (فوق)! ووصولا إلى نبرات صوت (خاشعة) بدعاء لرفع البلاء والوباء! وهو بهذا يمارس المحن السياسي الداخلي (بكل أعضائه)!
ولا جائز أن يقال أن وصول وزيرة الصحة هالة إلى الصين للمساعدة والمعاونة، ثم إلى إيطاليا، ومعها معدات طبية وكمامات لا يجدها الأطباء في مصر، لا جائز أن يقال إن هذا من باب إغاثة الملهوف.. حاشا وماشا!!
فأهل غزة يقتلون بالعشرات والمئات، ونفس الحكومة تساعد في قتلهم، ولا تستعمل معهم الإغاثة..
وأهل اليمن يموتون من عدة سنوات من أمراض وقصف، دون أن يغثهم أحد..
وأهل ليبيا يهجرون ويقتلون في الشوارع، بأسلحة نفس النظام..
وأهل السودان، وأهل الصومال، وأهل وأهل وأهل… ولا مغيث..
فما الذي دفع النظام إلى (إغاثة) أهل الصين وأهل إيطاليا؟!
إنه المحن السياسي والدبلوماسي!
ولا تتوقف الفوائد من إيطاليا عند دفع المضرة؛ بل إن الهدف الجيوسياسي في غاية الأهمية، إذ إن الصراع مع الأتراك في حوض البحر المتوسط يقتضي التحالف مع دولة قوية أخرى..
أما الصين فهي منجم اقتصادي وسياسي يريد أن يغرف منه، والكلام عن الصين معروف ولا يحتاج إلى بسط مني، والنظام يحتاج إليها في بسط المشروعية السياسية لنظامه، وتقويته دوليا، ومساندته في أي مشروعات يريد أن يحصل فيها على (لقطة).. فضلا عن الخوف الدائم الهستيري الذي يعتريه دائما من حلفائه ومناصريه، وأنهم قد يتخلون عنه في أي لحظة، وهو يعرف جيدا منزلته لديهم، فيريد تنويع الحلفاء، لعلهم يختلفوا إذا أوشك على السقوط، فيمسك في (جلابية) أحدهم للنجاة من الغرق.
وأما إيطاليا فإن أزمة ريجيني ما زالت كالصداع في رأسه، فهو فرد في دولة تعرف قيمة الفرد، وهو ما يتعجب له هذا النظام! كيف تقام الدنيا كلها ولا تقعد من أجل فرد؟! لكنه تمالك نفسه بعدها، واضطر أن يقوم ويقعد على نفس أنغام قوموا واقعدوا الإيطالية، فاصبح يقوم ويقعد ويتراقص أيضا وهو يلوح بالكمامات التي تمسكها (هالة).. ولا ترتديها، توفيرا لكمامة وجوانتي، يمكن الطليان يحنوا علينا، وينسوا القديس الشهيد (ريجيني)!!..
ولا تتوقف الفوائد من إيطاليا عند دفع المضرة؛ بل إن الهدف الجيوسياسي في غاية الأهمية، إذ إن الصراع مع الأتراك في حوض البحر المتوسط يقتضي التحالف مع دولة قوية أخرى، خلافا للدول الضعيفة والميتة كقبرص واليونان، فهي من جهة لمواجهة الأتراك في هذا الحوض، ومن جهة أخرى لدعم حفتر حليفه الليبي، مع دولة كانت محتلة للدولة الليبية، وتعتبر أن لها حقوقا تاريخية فيها، كمعظم الدول الاستعمارية مع دولهم المستعمرة السابقة…
إنها سياسة (جديدة) يتبعها النظام، لم يُسبق لها، ولا أعتقد أن غيره قد يلحق به فيها، سُجلت باسمه، ولا عجب في ذلك.. فإنه طبيب الفلاسفة وفيلسوف الأطباء، الذي خرجت عن خلطته هذه السياسة الجديدة، التي لا شك أنها ناتجة عن (ابن) حارة اليهود بالجمالية!!
التعليقات