عندما تستمع إلى قوله تعالى (إن كيد الشيطان كان ضعيفا)…
وعندما تعرف مدى الضعف البيولوجي لفيروس كورونا..
وعندما تعرف كيف أن الفيروس بالرغم من ضعفه له (كيد) خبيث ليتغلب فيه على ضعفه؛ تعرف ماذا يعني كيد الشيطان (الضعيف) وقوته في نفس الوقت التي تسببت في فساد البشر!
فيروس كورونا – وكل فيروس – لا يستطيع (الحياة) إلا بواسطة كائن حي يمكنه أن يتسلط عليه (ويُسَخِّره) لخدمته، وبعد ذلك ينهيه تماما..
يستطيع الإنسان أن يجتنب مسببات توحش الفيروس، ويستطيع أن يجتنب مسببات توحش الشيطان، وعندها يظهر ضعفه، وينتهي كيده..
وبسبب ضعفه يستطيع الإنسان التخلص منه بوسائل بسيطة وبدائية، ويمكنه أن يقوم بحله تماما إذا استطاع أن يكسر الطبقة الدهنية التي تحيط به، فينكشف من الداخل، ويتفسخ وينتهي، فهي أقرب لبعض الأذكار والإجراءات الاحترازية التي يقوم بها الإنسان لاجتناب الشيطان، اجتنابا للمحرمات.. نعم إنها إجراءات بسيطة في كليهما، لكن الإنسان لا يفعلها.. فتقع الكارثة، ويتحول الضعف إلى توحش!
يستطيع الإنسان أن يجتنب مسببات توحش الفيروس، ويستطيع أن يجتنب مسببات توحش الشيطان، وعندها يظهر ضعفه، وينتهي كيده، وقد أرسى فقهاء الشريعة رحمهم الله قاعدة كلية في هذا، أن الله إذا حرَّمَ شيئا حرَّمَ أسبابه، فإذا كانت النتيجة محرمة كان السبب كذلك محرما، وقد قال صلى الله عليه وسلم عن اجتناب الأسباب المؤدية إلى الوقوع في المحظور «..كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه..» أي: كالراعي الذي يرعى دوابّه حول الأرض المحمية التي هي خضراء كثيرة العشب، فإذا رأت البهائم الخضرة في هذا المكان المحمي انطلقت إليها، فيتعب الراعي نفسه بمراقبة قطعانه بدلاً من أن يذهب إلى مكان آخر، وقد يغفل عن بهائمه فترتع هناك..
بينما الإنسان العاقل الذي يبحث عن السلامة يبتعد عن ذلك الحمى، فعندما يحرم الله تبارك وتعالى الزنا مثلا، يحرم الاختلاط، ويحرم السلام باليد، ويحرم السفر بغير محرم، ويمنع المرأة أن تخرج متعطرة، ويمنعها من الخضوع بالقول، والحديث بطريقة لا تليق بامرأة حرة، وأمرها بالخروج بحجابها، ويحث الشباب على الزواج، ويلزم الرجال بالنفقة على النساء، ولا يجعل من الطلاق سهولة ويسرا، بل يصعبه على الطرفين، ويُصَبِّر كل منهما على الآخر، ويعدهم بأن الصبر قد يكون فيه خيرا كثيرا، حتى وإن كرهه الإنسان، وأعطى المرأة الحق في طلب فسخ النكاح إذا ظهر بالزوج عيب يمنعه من أداء حقوق الزوجة، وغير ذلك.. وكلها أسباب لمنع الكارثة، لكن الناس استهانوا، فوقع المحذور!
إنني لا أنكر أن يلجأ العباد إلى ربهم وقت الشدائد؛ لكني آمل بعد هذه الشدة الكورونية أن نستمر على ذلك، ونجاهد أنفسنا، ونتقرب إلى المولى تبارك وتعالى ونحن سالمون معافون..
وعندما نهى عن النزاع والشقاق منع أسبابه، وهيأ الأسباب المقابلة، ففي العقود مثلا أمر بالوفاء بها، ووضع القواعد الضابطة لاستقامتها، ومنع من الغرر والغش والتدليس، وأمر بكتابة الدين إلا أن تكون تجارة حاضرة عن تراض، ومنع من الشروط المجحفة غير العادلة واعتبرها هدرا، وحث على الصبر على تحصيل الدين، وأثاب عليه، ووضع القواعد الموجب لتعديل التزمات المتعاقدين إذا حصلت قوة قاهرة أو جائحة، وشرع الصلح بين المتنازعين، وحث عليه، ويسره وتخفف من شروطه خلافا لأغلب العقود، فأجازه على المجهول، وأجازه إن كان فيه غبن، ورهَّب من التفاصح في مجلس القضاء لأكل أموال الناس بالباطل، ونحو ذلك من أمور.. لكن الناس استهانوا، فوقع المحذور!
وعندما يذكر المختصون عن تجربة أن هناك أسبابا لمنع واستدراك تلك الجائحة، وجدنا أن البعض استهان.. فوقع المحذور! هذا هو الضعف الذي يتسبب الإنسان بسلوكه إلى أن يحوله إلى وحش يقضي عليه.. لكن العجيب أن مقدار التزام الناس بأسباب منع كورونا أكثر من التزامهم بأسباب منع مكائد الشيطان! بالرغم من أن كليهما يدمر حياة البشر، ولا أتعرض هنا لأمر الآخرة، بل لأمور الدنيا ذاتها..
فأغلقوا المراقص من أجل كورونا، ولم يغلقوها من أجل الفواحش!
وتطهروا من أجل كورونا، ولم يتطهروا بدنيا وروحيا من الموبقات! بل وكانوا يسخرون ممن يأمرهم بالطهارة الجسدية والطهارة الروحية!
بل وجأروا بالأذكار والصلاة من أجل كورونا، (وقد كانوا يدعون للسجود وهم سالمون)!
إنني لا أنكر أن يلجأ العباد إلى ربهم وقت الشدائد؛ لكني آمل بعد هذه الشدة الكورونية أن نستمر على ذلك، ونجاهد أنفسنا، ونتقرب إلى المولى تبارك وتعالى ونحن سالمون معافون، ونؤكد للشيطان أن كيده كان ضعيفا، ونأخذ بأسباب السلامة، لنؤكد لكورونا كذلك أنها.. فيروس له كيد.. لكنه ضعيف!
التعليقات