الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى أله وصحبه ومن والاه في هذه اللحظة الفارقة من التاريخ الحديث يمر التيار الإسلامي بمنعطف خطير إذ انفتحت أمامه كثير من الساحات بعد تضييق وعنت شديد ، ولكنه كأي تيار يمر بإشكاليات كما يحوز مقومات ، وإن مما يكفل استمراره وتفوقه هو حسن إدارة المقومات والتجاوز الصحيح للعقبات كمطلب لا بديل عنه لتحقيق المراد من هذا التيار على الوجه المقصود شرعاً، وسنحاول هنا التركيز على معالجة بعض تلكم الإشكاليات الخطيرة والتنبيه عليها والدعوة لتجاوزها ، والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل. “الممكن” والغياب عن صناعة الحدث: من المقرر في القواعد الشرعية أنه ( لا تكليف إلا بمقدور ) أو ( لاتكليف بمُحال) ، كما أن من تعريفات علم السياسة أنها: ( فن الممكن ) وبين هذين المنطلقين تتأرجح مواقف واختيارات عدد من قيادات العمل الإسلامي؛ رغم أن النتائج والتجارب المتكررة تثبت وجود قصور في ضبط المقصود الشرعي وخللاً في الجانب التطبيقي ، وتوضيح ذلك في نقاط:
1- حد المقدور في الشرع يعتبر أمواًر قد لا يعتبرها عامة الناس ومن ذلك قوله تعالى [يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (65) الْآَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66)] ، فجعلت الآية الحد مؤمناً صابراً لعشرة من الكفار ثم خفف الله على المؤمنين إلى مؤمنٍ صابرٍ لرجلين ، بينما قد يرى الناس أن الرجل للرجلين فوق المقدور بل إن الجهاد في سبيل الله بعينه قد يكون في نظر بعض الناس من غير المقدور إذ في غالب الأحوال يكون المؤمنين أقل عدداً وأضعف عدة.
2- في قوله تعالى: [فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا] وفي حديث جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم :” سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله” رواه الترمذي، جعل سبحانه استفراغ الوسع في التحريض والقتال سبباً لتنزل العون من الله ، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم باستفراغ الوسع في النهي عن المنكر وإن لم يظهر للمرء مصلحة عاجلة، وهذا أصل إيماني يجب استحضاره حتى لا تغلب علينا الحسابات المادية البحتة والضيقة ، أضف إلى ذلك أن السعي في إزالة موانع القدرة مطلوبٌ شرعاً.
3- كما أن فهم السلف رضوان الله عليهم وتطبيقهم كانت مختلفة عما يسود بيننا من تطبيقات، وذلك في جهادهم وقيامهم بالحق فقد أنفد خليفة رسول الله بعث أسامة كما سير أحد عشر جيشاً لقتال المرتدين وهو يمد جبهتي فارس والروم في نفس الوقت، ، كما ثبت الإمام أحمد في الفتنة وحده رغم أن الأذى الذي أصابه رحمه الله كان فوق المقدور في حس غالب الناس, إلا أنه كان يستحضر معاني شرعية زادت من حيز الاستطاعة وتحكمت في حساب المقدور وهو معنى قيام حجة الله في الأرض، فكان يقول: ” إذا سكت الجاهل لجهله، وأمسك العالم تقية، فمتى تقوم لله حجة؟!” ، وعلى هذا فذم من يقوم بالحق وتجريم من يقف أمام الظلم فهو كذم الخليفة أو الإمام أحمد أو العز بن عبد السلام أو ابن تيمية.
4- كما أن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسير من اتبعه من المجددين تثبت أن دور قادة الدعوات هو طرق أبواب “غير الممكن” وليس اللعب في حيز الممكن ، ففكرة العرض على القبائل هي طرق لأبواب غير الممكن “في حس الناس” فمن يعرف حال العرب وعصبياتهم يعلم أنه من غير الممكن تصور أن تستجيب قبيلة كاملة ـ أو غالبيتها ـ للدعوة ثم ترضى أن يهاجر لها المسلمون ليتقاسموا معها الدار والمال ثم يستعدوا العرب ويحاربوهم ، دون وشيجة من دمٍ أو نسب ، كما أنه صلى الله عليه وسلم عقد بعث أسامة لغزو الروم في ديارهم وهذا بالحسابات السائدة ضربُ من المستحيل ، بل إن الموعودٌ الرباني في قوله تعالى [أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ] مقرونُ بوصفٍ عجيب وهو التقابل بين المنظور البشري لإمكانية تحقق النصر واقترانه بتحققه، وهذا يستحضر المفهوم الشرعي المتعلق بـ “استفراغ الوسع” وتمام استفراغ الوسع يصل بحملة الرسالة إلى طرق أبواب المستحيل، فلو نظرنا لسير المجددين في هذا العصر مثل عز الدين القسام أو أحمد ياسين لوجدنا أن ما بذلوه وحققوه بمنطق كثيرين من قادة العمل الإسلامي الآن يصنف في غير الممكن ، فالشيخ أحمد ياسين مثلا قرر توحيد الفرقاء وهو ما قد يعتبره البعض مستحيلاً ثم جمع المجتمع حول حركته دون أن يكون ذا سلطة أو مال بل ومتهم بجلب الدمار والقتل وهذا بحد ذاته درب من الخيال, ثم جهاد اليهود دون مقومات تُذكر كالحجارة والسكين والمولوتوف أمام آلة عسكرية عاتية وهو ما يعني عند البعض تقحماً للهلكة و”استخفافاً بالدماء” ، ولكن الشيخ أحمد ياسين نجح – بفضل الله – في طرق أبواب غير الممكن وتحويله إلى ممكن ، وهذا أمر قديم يعرفه أهل العمل والتغيير ولهذا قال الإمام حسن البنا رحمه الله:” “لا تيأسوا فليس اليأس من أخلاق المسلمين، وحقائق اليوم أحلام الأمس وأحلام اليوم حقائق الغد”.
5- من مقاصد أية قوة مستكبرة أن تغرس شعوراً في حس خصومها بأن زوالها “غير ممكن” ، وأنها تتحكم في حيز الممكن وغير الممكن ، ومن هذا قول الملك المتجبر لإبراهيم [أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ] ، وهي بذلك تبني صروحا وهمية في نفوس أتباعها وتسعى لإضعاف عزيمة أعدائها في معركة الإرادة ، ولذلك فضبط “الممكن” على موازين المستكبرين هو سقوط في هذا الفخ.
6- كما أن اعتبار المقدور لا يدخل فيه الحسابات الضيقة ، فالتنازل عن الرياسة مقدور ، والصبر على بعض الأذى مقدور، والتعاون مع من اختلف معهم أو نرى أنفسنا فوقهم علما أو مكانة مقدور ، فمثل هذه الحسابات لا تدخل في الاعتبار الشرعي ، ولا يصح الكلام عن الممكن والمقدور قبل إصلاحها، ولقد قال تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا] فلم يُعتبر التعلل بالاستضعاف مع وجود حلول قد لايضعها الناس في حساباتهم ركوناً وضعفاً.
7- وأخيراً اذكر نفسي وإخواني بقوله تعالى: [وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آَمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (86) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (87)] فذم الله تعالى أصحاب القدرة (أولو الطول) إذا تعللوا بعدمها للتخلف عن مواضع يجب عليهم فيها التقدم وجعل ذلك من صفات المنافقين ، وفي هذا زجر وتخويف لمن يتعلل بعدم القدرة وهو يمتلكها. فالمقصود أن تبرير انخفاض سقف الأهداف والرضا بالأمر الواقع والتأخر عن مواطن المواجهة باعتبارها غير ممكنة هو خلل منهجي يحصر الصحوة الإسلامية في الحيز المسموح لها من قبل أعداءها ضاق أو اتسع ، وقد يكون ذلك بحسن نية أو استجابة للضغوط ولكنه في المحصلة يمنع الصحوة من “صناعة الحدث” ويجعلنا على أفضل الأحوال متعاملين بصورة جيدة مع الحدث، وهو ما لا تتحمله هذه المرحلة من تاريخ الأمة. تراجع الدور الرباني تبعاً للممارسة السياسية: بينما تكفل الله لهذه الأمة بحفظ كتابه فإن وصف الربانية قد بقي فيها باعتباره امتداداً لميراث النبوة ومتمثلاً في تحقيق قضية الشهادة به وعليه بكل ما تعنيه الشهادة من معانى؛ كالقضاء به والعدل بموجبه وتعليمه والتربية عليه؛ قال تعالى: [إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا]، بل إن هذا الدور يتعدى واقع الأمة إلى البشرية جميعها، قال تعالى: [وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ] وبهذا القيام بالحق انتشر الإسلام ودخل الناس فيه أفواجاً. وهنا نقاط :
1- هذا الدور من القيام بالشهادة والصدع بالحق يشهد ضعفاً على الجملة مما أدى إلى التجرؤ على مقام العلماء وأفقد الناس الثقة فيهم، وصار من الأسباب الرئيسية في تشرذم الصف الإسلامي إذ تغيب فيه الزعامة الشرعية التي يحتمي الناس بها وتتسع لهم وتنتصر لقضاياهم وقضايا الأمة، بل ـ وللأسف الشديد ـ فإن بعض المتصدرين من الشيوخ يقوم بعكس ذلك فلا يتذكر الكلام في أية قضية من قضايا الأمة إلا عندما يتحرك الشباب؛ ليخبروهم بأن تحركهم كان خاطئاً لأنه لم يخرج من عباءة الشيوخ، وكان الأولى أن يتقدموا هم بالفعل الصحيح ليقوموا بواجبهم في الشهادة بالحق.
2- أضف إلى ذلك أن هذا الدور يحكمه قيمة “إقامة حجة الله في الأرض” وهو ما يختلف عن الممارسات السياسية التي لا تلتفت إلا لموازين القوة فـ “الحق فوق القوة” والأصل أن أهل العلم هم القادة وهو ما ليس متحققاً اليوم في واقع الناس اليوم، وخلل منهجي ألا تكون مقاييس السياسة منبثقة من معيار الحق نفسه قبل أن تحكم قول الحق أو السكوت عنه، ولهذا فإن ما يترخص به للعامي لا يترخص به للعالم بخلاف المفهوم المقلوب الشائع أن الدعاة والعلماء يترخص لهم أكثر من غيرهم خوفاً عليهم أو على الدعوة ، والحق أن الرخصة في حقهم أضيق والعزيمة أوجب، وهذا ما كان عليه الأولون كالإمام أحمد رحمه الله وغيره.
3- والأسوأ من ذلك عندما يختار شيخاً أو عدداً من الشيوخ خياراً سياسياً مع عدم امتلاك أدواته وافتقاره لمعطيات الواقع ثم يتم تصويره على أنه اجتهادُ علمي مبني على الدليل ، بل وإنزاله محل الإجماع واتهام المخالف بالانفراد ويتعدى الأمر إلى شر من ذلك إذا كانت المحصلة النهائية هي الركون إلى الذين ظلموا ومنحهم فرصة للتسلط بقصدٍ أو بغير قصد.
السقوط في معركة المبادئ:
تقوم الليبرالية على مبدأ ” الحرية ” يقول معتز عبد الفتاح : “وأرجو ابتداء أن أوضح أن الليبرالية المقصودة هنا ليس معناها «عشق الرذيلة» أو «احتراف الشذوذ» وإنما مساحة من التسامح السياسى مع الحرية الشخصية التى تضمن أن يظل الإنسان آمنا من تغول السلطة أو تدخلها فى الحياة الخاصة للمواطنين طالما أن هذه الحياة الخاصة لا تنعكس سلبا على استقرار الأوضاع السياسية وبما يهدد سلطة الدولة أو يهدد النظام العام” هذا الكلام يوضح الفهم الدقيق الذي تستند عليه الليبرالية في مصر، وهو مفهوم يتغنى بالتحرر من تغول السلطة التي عانت الشعوب منها الكثير، وعلى التوازي يرفع اليسار شعار “الثورة الدائمة” أو “الثورة مستمرة” ليظهر بمظهر المطالب بالحقوق الرافض للظلم بأي صورة كان. وهذه التيارات تعتمد في حربها ضد التيار الإسلامي على إسقاطه في ميدان المباديء، وبعض الأمثلة تساعدهم في ذلك: – دعوتنا الناس للتصويت بنعم ، ثم سكوتنا على تجاوز المجلس العسكري النتيجة وإضافة مواد تعطيه صلاحيات لم يتم التصويت عليها. – تظاهر عشرات الالآف بسبب رفع قضية أمام القضاء ضد شيخ فاضل، بينما نسكت عن كشف العذرية للبنات من قبل الشرطة العسكرية. – خروج الحركات الإسلامية في مظاهرات حاشدة عند سقوط مرشحها في انتخابات غير نزيهة بإحدى الجامعات ثم تراجعها قبل توافق الناس لحسابات خاصة. – السكوت عن سحل بعض المواطنين وإلقائهم في القمامة وترديد بعض أكاذيب الداخلية خوفاً من تأجيل الانتخابات.
ويجدر هنا التنبيه على نقاط:
1- أهمية تقرير المباديء واسترداد المفاهيم على أرض الواقع وليس في البرامج الحوارية، فمفهوم الحرية والكرامة والشهامة والنصرة مفاهيم عظيمة في الإسلام وعناية الإسلام بها أعظم من عناية أي مذهب أرضي لها ، والانشغال بالمعارك السياسية والإعلامية فقط لإقرار تلك المفاهيم خطر يهدد جميع الساحات، وكما ذكر الشيخ حازم صلاح حفظه الله كيف نتغنى بالمعتصم ونصرته لامرأة صرخت: “وامعتصماه” ثم لما يستنصرنا الناس نتركهم.
2- لنتعلم من هذا الموقف العظيم عندما أدى النبي صلى الله عليه وسلم الأمانات إلى قريش ، بل وترك علي رضي الله عنه وفي ذلك تعريضه للخطر ، ثم خرج بعد أقل من سنة لاعتراض قافلتهم ليسترجع أموال المهاجرين؟! ، فلا يكفي الاستدلال بالشق الأول للتدليل على سماحة الإسلام، بل ينبغي جمع الأدلة لنفهم كيف تكون قيمة المباديء دون التنازل عن الحقوق، مع أن الاختيار الثاني سيصاحبه ولابد إراقة في الدماء ، فهو صلوات ربي وتسليماته عليه منزه أن يأخذ من الأمانة ليرد الحقوق، كما أنه يأبى أن يتنازل عن حقوق المهاجرين المسلوبة ، فيرد الأمانات ويجهز الجيش لاسترداد الحقوق.
3- خطورة الاستهانة بنبض الجماهير فضلا عن التعالي عليهم بدلا من الالتحام بهم ، بدعوى عدم الانجرار خلف العوام ، فقوة الصحوة الحقيقية في انحياز الشعوب المسلمة لها ، وأذكر أن حواراً دار بين بعض الفضلاء وقيادات في حماس حول الكلام عن هدنة كاملة مع اليهود فقال له ما معناه أن حماس لو فعلت ذلك لانتهى انحياز الناس لها ، وأن الناس اجتمعت حولها لإيمانهم بحملها لقضيتهم، والمتطلع في كلام المناهضين للإسلاميين سيشهد أنهم يقامرون على هذه النقطة تحديداً.
4- ولنتذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم الذي عقد صلح الحديبية رغم اعتراض بعض الصحابة هو من خرج بنفسه بعد عام لفتح مكة بسبب اعتداء قريش و حلفائها من بني بكر على خزاعة وكانوا قد دخلو في جواره ، فلما ظُلموا سارع لقتال قريش.
5- والمشكلة الخطيرة هي في الهجوم على الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل رغم ما حققه من احترام لأصحاب الخيار الإسلامي، حتى أن أنصار الأفكار الليبرالية كانوا في الميدان يعلنون حبهم واحترامهم الكبير له وكما قال أحدهم :”هذا الرجل أثبت أن مبادئه وقيمه مقدمة عنده على الحسابات السياسية” ، إن هذه الشهادة انتصارٌ كبير للصحوة الإسلامية وليس لشخصه، وهي تعني تقريب هذه الجموع المتزايدة من الشباب نحو المنهج الإسلامي ، وهو مقصد شرعي. هذه بعض الاشكاليات المنهجية الخطيرة التي تهدد الفاعلية والمرجعية والمصداقية ، فالسجن الاختياري داخل حيز”الممكن” يهدد الفاعلية ويحكم علينا بالدوران في حيز المسموح ويمنعنا من الدور الريادي للبشرية في لحظة فارقة تشهد تهاوي امبراطوررية عاتية ، وانحسار دور الربانية بالشهادة بالحق يهدد المرجعية في التيار الإسلامي والتي ينبغي أن تمتد لتكون مرجعية أوسع من الوسط الإسلامي مما ينعكس على تماسك الصف ومحورية دوره في الأمة ، وإخلاء ساحات بعض المباديء ليتاجر البعض بها في ظل تراجعنا عن القيام بها يهدد المصداقية وقد يؤذن بانصراف الناس عنا إن تجاوزت هذه التيارات إشكاليتها التي تعوقها. وفي النهاية أرجو أن تكون هذه التذكرة خطوة في مراجعة ترشيدية تهدف النهوض بالتيار الإسلامي ، فأهله على الجملة هم خيار هذا الزمان ، والرجاء في المولى عز وجل أن يجمع الكلمة ويصحح النية ويسدد الرمي ، والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
التعليقات