نعم … أنا السلفي العاطفي!!

يعيش مولانا وبطيخ مولانا، وبطيخ ابن مولانا … أيضا!!

ويظهر هذا التقديس جَليًّا إذا اقترب (أحدهم) من (المشايخ)، فتجد جملة من القواعد والألفاظ التي تشرّب بها، كلحوم العلماء المسمومة، وأعلم أهل الأرض في العلم الفلاني، والتدليس، ونحو ذلك مما يطول..

ما أن يدخل (السلفي) في (الالتزام) حتى تتأصل عنده بعض الألفاظ والمصطلحات، بل والقواعد التي يرددها دائما ويلوكها لسانه، فيما تصلح، وفيما لا تصلح، ويستشعر في مرحلة تالية أنه انضم (لطائفة) العلماء والباحثين، والغالبية يتوقفون عند هذا الحد، مع اعتقاد (العالِمية) أيضا، لكنهم في نفس الوقت ينظرون دائما إلى (المشايخ) نظرة فيها مبالغة نظرا لأنهم ينطقون بالمصطلحات التي سمعها، وألفتها آذانهم، مع نشرهم لبعض (المعلومات) من بطون الكتب، والتي لم يطلعوا عليها، فيسقطوا في أيديهم، ويستمروا في المبالغة حتى يصلوا إلى حد (التقديس) مع النفي الدائم لهذا السلوك عن أنفسهم، وإنكارهم هذا السلوك على الآخرين، لا سيما الصوفية.

ويظهر هذا التقديس جَليًّا إذا اقترب (أحدهم) من (المشايخ)، فتجد جملة من القواعد والألفاظ التي تشرّب بها، كلحوم العلماء المسمومة، وأعلم أهل الأرض في العلم الفلاني، والتدليس، ونحو ذلك مما يطول، وينسى المسكين كيف أن مشايخه كانوا يطعنون في أئمة كبار في بعض الفنون، كمن يطعن في أبي حنيفة من الناحية الحديثية، ويرد حديثه لضعفه، وبعضهم يكون أكثر (إنصافًا) فيصف حديثه بالحسن، ولا يهتز للسلفي هذا شعرة، ويعتبرها من مناقب شيخه وأستاذه، وأنه لا أحد فوق النقد!

لكن ما أن يقترب أحدهم من (الشيخ) لعدم إتقانه لفن من الفنون حتى يهتاج هذا (السلفي)، ويرعد ويزبد، وينفي عن شيخه ألا يكون ملما بفن من الفنون، بل قد لا يصل إلى حد العامة في بعضها، فهذا (السلفي العاطفي) لا يقبل إلا بالشيخ (السوبر مان)، الذي يفهم في كل فن، وفي كل علم، ولا يقبل فيه إلا أنه دائرة معارف بشرية، ولا يقبل إلا أنه عالم موسوعي!

وقد قام بعضهم بجمع مادة لبعض (المشايخ) حول (حماس)، فوجدنا من (التابعين) و(المريدين) نوعا من الغضب (العاطفي)، والتعصب الذي تأباه قواعد (الشيوخ)، فيعتذر بعدد من الاعتذارات:

فبعضهم يطلب منك أن تشاهد المقطع كاملا، وفي الحقيقة ما زال العلماء ينقلون من كتب من تقدمهم دون أن (يحشروا) لنا الكتاب (كاملا)، بل ينقلون موضع (الشاهد) فقط، ولا يقال أن هذا تدليسا أو كذبا، وهكذا يفعل مشايخكم، فهم لا يعرفون إلا القص واللصق من كتب العلماء، فليس لهم في الحقيقة تجديدا فقهيا أو حديثيا، ولبنة في صرح العلم، وإنما هم نقلة، وهذا لا يقلل من هذا الطريق، لكنه لا يرفعه إلى مرتبة لا يستحقها، والمقصد أن هذا السلوك معتاد ومعلوم، وليس مجرد الاقتصار على موضع الشاهد تدليسا وطعنا وما هرف به هؤلاء (الأتباع)!

وهذه إشكالية أخرى في نقد (العقل السلفي)، فمجرد وجود (الرد) لا يعني بالضرورة (الرد)، بل يبقى أن هذا (الرد) يخضع لميزان البحث والنقد العلمي…

ثم إني وغيري شاهدنا المقطع كاملا في مواقع (صديقة) للمشايخ إن لم تكن تحت إشرافهم المباشر أو إشراف أبنائهم وطلبتهم، ولم يتغير من الأمر شيء، فالجمل هي هي، والعربية تعطي فهما للجملة التامة، فلا يصح أن يتم اتهام السامع وتبرئة المتكلم، لا سيما إذا كان الكلام نص أو ظاهر في المعنى، وإذا كان الكلام يحتمل التأويل فالمشكلة تبقى مشكلة الشيخ وليس السامع، فهو ما زال حي رزق – أطال الله بقاءه في الخير – فعليه أن يخرج وينفي عن نفسه المعنى الظاهر المتبادر، أو يعتذر عن المعنى الذي أوهمه، أو يعتذر عن هذا الكلام، ويؤكد رجوعه عنه، ونحو ذلك، فهو ما قال الكلام إلا لكي ينشر، فما ذنب من نشره؟! والإيهام أيها السادة مشكلة للمتكلم وليس للمتلقي، هذا إذا فرضنا أن في الكلام إيهاما، وأنه ليس صريحا في المعنى.

وهذه إشكالية أخرى في نقد (العقل السلفي)، فمجرد وجود (الرد) لا يعني بالضرورة (الرد)، بل يبقى أن هذا (الرد) يخضع لميزان البحث والنقد العلمي إن كان ملاقٍ ومنتج في الزعم، وأنه يقطع حجج واحتمالات الخصم أو لا؟ فإذا رأيت شيخك قد رد على فلان المبتدع فلا تتصور قطع شأفة هذا المبتدع دون دراسة لرد (الشيخ)، ومجرد إيراد المقاطع (كاملة) لا يبرئ أصحابها!!

ثم إن (ابن) الشيخ قد ذكر أن المقطع (قديم)، من عام (1991م) أو نحو هذا على ما أذكر من كلامه، فهل قِدَم الكلام يعني طمسه وعدم إيراده، وهل المشايخ الذين يوردون كلاما لأئمة منذ تسعة قرون ويشنعون على أصحابه مخطئون؟! بل بعضهم يورد نصوصا تزيد عن ذلك، ولم تنكر عليه ذلك أيها (السلفي) المنصف، وباعتبار أن الشيخ أو المشايخ ما زالوا أحياء فلو رجعوا فلتكن عندهم جرأة الرجوع، كما كان عندهم جرأة الخطأ والرد أو المجازفة بعد أن مرت السنون وعرّكتهم الأيام، وعرفوا ما لم يعرفوا، فليثبت هو خطؤه السابق، وليداويه برجوع واعتذار لمن خدش عملهم، بل وللأمة كلها.

أيها السلفيون … إننا نحتاج كما قلتُ مِرارا لإعادة النظر في السلوك لا المنهج، فلم يضر الإمام حفص إمام الدنيا في القراءات أن يُقال عنه إنه ضعيف في الحديث، ولم يخدش هذا من إمامته في فنه…

وبمناسبة ذِكْر (الأبناء) فقد انزلقتم أيها السادة فيما انتقدتم فيه غيركم، فعندما أجد تعليقات (السلفيين) على كتابات أبناء المشايخ أو إخوانهم أعجب أشد العجب، فمن قائل: هذا الشبل من ذاك الأسد، ومن معظم لأناس أقصى ما يقال عنهم أنهم طلبة علم في مقتبل الطريق، فقط هو تعظيم لأن اسمه ينتهي بالحويني أو يعقوب أو القلموني، وبعضهم قد أصابهم الكِبْر في كتاباته نتيجة فتنة أتباع أبيه، وبعضهم أعرفه شخصيا وقد كان أخوه يتمنى له أن (يلتزم)، وكان يطلب مني أن أكلمه، فما أن أطلق لحيته أصبح (شيخا) و(داعية) .. ما هذا كيف تحكمون؟!! وفتحت لبعضهم شاشات الفضائيات، وهو لا يملك علما ولا حضورًا، ويطبل البعض في تعليقاته فيقول متقعرا: هذا الشبل من ذاك الأسد، والأُسْد قد لا تُنجب أشبالا يا هذا، لأن الأَسدية المزعومة – إن كانت – مكتسبة، وليست جينية أو جِبِلّيّة، فيحتاج (الكائن) المولود لاكتساب تلك الأَسدية بنفسه فيصبح شبلا يُقَدَّر بقَدْره، وقد يصبح أسدًا، وقد يَنْتُج لنا ضبعًا مسخًا، له أنياب ويجيد (النَّهش) لكنه يجافي القواعد!! …. فماذا تنقمون إذًا على أئمة السياسة عندما يورثون (كرسي الحكم) لأبنائهم وإخوانهم، هذه هي المادة التي يمتلكونها، ولهم من يطبل لهم، ولمشايخكم المادة التي يملكونها، وأنتم تتطبلون لهم ولأبنائهم، ويعيش مولانا وبطيخ مولان، بل يعيش بطيخ ابن مولانا وأخيه … حتى ولو كان البطيخ (أقرع)!!!! العجيب أن من قال هذه الكلمة (يعيش مولانا وبطيخ مولانا) كان يفترض أن القائل (مجبر) على ذلك غير راضٍ به، لكن (العامة) من السلفيين يقولون ذلك تدينا!! وقناعةً، ويزيدون عليه الرضا ببطيخ (ابن مولانا)!!! هل رأيتم إلام وصلنا من غلو؟!!!!!!

أيها السلفيون … إننا نحتاج كما قلتُ مِرارا لإعادة النظر في السلوك لا المنهج، فلم يضر الإمام حفص إمام الدنيا في القراءات أن يُقال عنه إنه ضعيف في الحديث، ولم يخدش هذا من إمامته في فنه، ولم يجد إمامًا كالغزالي غضاضة بأن قال عن نفسه أنه صاحب بضاعة مزجاة في الحديث، وصدق الإمام علي بن المديني عندما سألوه عن أبيه، فيقول: سلوا عنه غيري، فيقولون: نسألك أنت، فيقول: هذا الدين؛ إنه ضعيف!! وهذا يحيى بن معين عندما يسأل عن صاحب له يحبه كثيرا يقول: إنه لا يقتصر على ما سمع، بل يتناول ما لم يسمع!!! فالعاطفية قد أوردتنا المهالك، وعليكم بمنهج سلفكم من التعامل مع القضايا الكبرى بحيادية وتجرد، فما تنقمون فيمن يقول لكم إن هؤلاء (المشايخ) لا يجيدون فن السياسة والنظر في المآلات، فليبقوا في (تخصصهم) في (النقل) من كتب الأئمة، ونشر ثقافة عامة شرعية، فإنهم (ضعفاء) في غيرها، لا يقبل منهم فيها صرفا ولا عدلا!


التعليقات