دائما .. هناك ما يمكنك فعله

دائما.. هناك ما يمكنك فعله، ولو بقلبك، أو بقلبك ولسانك إن لم يكن بيدك. لحديث: “مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإيمَانِ”([1]) وهذا التغيير الإيماني الواجب له قيمته:

فالتغيير باليد .. يحافظ على الواقع، فيمنع تلويثه.

والتغيير باللسان .. يحافظ على المبدأ، فيمنع تغييبه أو تحريفه.

والتغيير بالقلب .. يحافظ على الفرد، فيمنع تذويبه أو استدراجه.

التغيير باليد يمثل أقوى صور تغيير الباطل وإصلاح الواقع، لهذا كان ذكره مقدما على غيره، مع أنه لا يُلجأ إليه إلا عند استنفاد ما قبله مما هو أسهل منه من وسائل التغيير…

أما أن هناك دائما ما يمكنك فعله من رتب التغيير، فلأن أصلها تغيير القلب [وهو: إنكاره] والقلب لا سلطان لأحد عليه، ولا يوجد من يعجز عن الإنكار بقلبه، فهذه واحدة. ثم إن تعليق ما يجب على اللسان واليد من التغيير بالاستطاعة، فاوت بين الناس فيما يجب عليهم، وفاوت بين الأحوال فيما يجب فيها، بحيث لا يخلو مكلف عن واجب يقدر عليه، وهذه ثانية.

وهذا التعامل مع الواقع (المنكر) ليس تنفلا من المؤمن، بل هو واجب عليه بدليل قوله غ في رواية أخرى: “ولَيس وراءَ ذلك من الإيمان حَبَّةُ خَرْدَل” [صحيح مسلم] لمن فاتته كل رتب الإنكار، أي: إنه بتركه كل رتب الإنكار تجاه هذا الواقع محل الامتحان، لم يبق له من الإيمان الواجب عليه في هذه الحال شيء يفعله، بل فاته كل ما وجب عليه في ذلك الموقف.

ثم إن لكل رتبة من رتب الإنكار هدفا تحققه، وذكرت في الحديث الرتب تنازليا بحسب أهدافها من الأعلى إلى الأقل، مع تضمن كل رتبة لما تحتها، بل وبعكس ترتيب التنفيذ – بلا خلاف بين أهل العلم – لأجل التأكيد على مراعاة أهداف الإنكار.

فالتغيير باليد يمثل أقوى صور تغيير الباطل وإصلاح الواقع، لهذا كان ذكره مقدما على غيره، مع أنه لا يُلجأ إليه إلا عند استنفاد ما قبله مما هو أسهل منه من وسائل التغيير. لكن التغيير باليد يحافظ على الواقع (ليبقى / أو ليصير) كما يجب أن يكون، مع منع لمحاولات فرض لوث الباطل على وجه الحياة الإنسانية.

ويكفي في تقدير قيمة هدف الإنكار بالكلمة، أن تسترخص فيه الأرواح، ويُنال بهذه التضحية أعلى المنازل الإيمانية، منزلة (سيد الشهداء)، ففي الحديث: “سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَرَجُلٌ قَامَ إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ، فَقَتَلَهُ”..

والتغيير باللسان الذي يكتفى به حين لا يُقدر على ما هو أكثر، قد لا يزيل الباطل من الوجود، لكنه يمنع ذلك الباطل من اكتساب شرعية الوجود، بل يبقى وجوده محل إنكار، تمهيدا وإعدادا لإزالته في أقرب فرصة ممكنة. فيحافظ على مبدأ التفريق بين الحق والباطل، بين المعروف والمنكر، كخطوة لا بد منها في طريق كمال التغيير، وكخطوة تمنع تغييب معرفة الحق بعد تغييب وجوده، كما تمنع التحريف الذي يخلط الحق بالباطل لكي لا يتميزا في التصور، بعد أن لبس أحدهما ثوب الآخر في الواقع.

ويكفي في تقدير قيمة هدف الإنكار بالكلمة، أن تسترخص فيه الأرواح، ويُنال بهذه التضحية أعلى المنازل الإيمانية، منزلة (سيد الشهداء)، ففي الحديث: “سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَرَجُلٌ قَامَ إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ، فَقَتَلَهُ”([2]) فلولا عظيم قيمة ما قام به من تضحية، وأهمية الأثر المترتب عليها، لما كان فيها مثل هذا الوعد الرباني الكريم.

أما أضعف الإيمان “التغيير بالقلب” فهو وإن كان أضعف من غيره من جهة الأثر المتعدي، إلا أن له قيمة هائلة من جهة الأثر الشخصي على مستوى إيمان الفرد المؤمن، فهو الذي يحافظ على إيمانه، ويمنع من أن يُستدرج إلى باطل ينافي إيمانه – ولو بدرجة من الدرجات -، أو أن يذوب في واقع يخالف إيمانه لمجرد أنه يحيط به ويخالطه رغما عنه.

فالإيمان قضية حياة، يعيش بها ولها الفرد المؤمن، ومن خلالها يتعامل مع كل امتحان يواجهه في واقع الحياة الدنيا، لتكون الزيادة في أيام حياته زيادة في إيمانه، كما يحب الله خالق الإنسان الذي إليه مصيره.

ملاحظة: المقال منقول من كتاب ملف التغيير للدكتور أشرف عبدالمنعم

——————-

[1]– مسلم (49) عن أبي سعيد الخدري س .
[2]– حسن، رواه المنذري في الترغيب والترهيب (3483) عن جابر بن عبد الله س.

التعليقات