لقد ظلت أقدام المسلمين تتحرك في واقع معاش تحكمه اعتبارات لظروفه، لكنها تتحرك. وحركتها لها وجهة محددة، إنها تتحرك نحو هدف لا يغيب عن العينين. والقلب المحرك يستمد طاقته من رؤيته لهدفه، وهو – في نفس الوقت – يتخير المواضع للقدمين. إذ لو غفل عن الأولى.. تاه، وربما ضاع. ولو غفل عن الثانية .. تعثر، وربما سقط .. وضبط العلاقة بينهما هو .. الاتزان الشرعي. وبيانه كالتالي:
أولا: إن مواضع الأقدام – أعني: الظرف الحالي المحيط بالفرد المؤمن أو بالفئة المؤمنة – له أثره المعتبر على الفعل الإنساني. هذا من حيث الممارسة المرتبطة بعالم الأسباب، والذي تطلب فيه المقدمات للوصول للنتائج. وذلك الاعتبار من ضبط الوحي لخطوات الحركة، وتشريع الوسائل الملائمة لكل حال. لكن في ظل السعي للتغيير المنشود، وبما لا يؤثر بالسلب على الأهداف الكبرى، سواء أكان التأثير السلبي عن طريق المعارضة، أو التشويش، أو التغييب.
ثانيا: أما العينان، فلا بد أن تبصرا ما هو أوسع وأبعد من ذلك الظرف، حيث ترنوان إلى غاية الطريق وترتبطان بهدفه. وإلا كان نظرهما ترسيخا للوضع القائم، أو تعايشا معه في حدود الموجود، أو مدعاة للمراوحة في المكان – في أحسن الأحوال -.
فإنه لا يسعى للتحرر إلا أحرار النفوس. ولا يغير الحياة، إلا من يغايرها..
ثالثا: والقلب الذي هو محل الأفكار والمشاعر. لابد وأن يتعلق بالعينين، فتملأ القلبَ الرسالة الكبيرة، ويشتاق إلى أهدافها، يرجو غايتها، ويثق بنجاحها. مع إدراكه لواقعه، وحركته المناسبة لتغييره. وهذا يحقق ثمرات هائلة.
من ثمرات التعلق بالأهداف الكبرى:
إنه يحفظ القلب عن التأثر السلبي بظرف الاستضعاف لواقع مرفوض، فلا يتعايش معه، ولا ينكسر أمامه. وخذ العبرة مما أصاب النصارى، لما تأثروا باستضعافهم لواقع وثني، وانكسروا أمامه. فأنتج التعايش دينا يحمل اسم النصرانية، وهو متماش – في نفس الوقت – مع اللوثات الوثنية.
وبه يتحرر القلب من وهم ثبات الأوضاع الباطلة، واستحالة تغييرها، يتحرر بأمل ويقين، يحركان القدمين، لتخطوا الحركة المناسبة في الاتجاه الصحيح. فإن اليائس لا يتحرك، بل يستسلم، أو ينسحب، أو ينتحر، أو يتحرك بضعف وعشوائية، لأنه – في قرارة نفسه – لن يصل لشيء.
فإن أسرت القدمان في ظل لحظة من الزمان، وفي حدود شبر من المكان، يبقى القلب طليقاً مرفرفاً، عصياً على الأسر، يبقى ذا دور و قيمة – و لو بجهاد القلب(1)، الذي ليس وراءه من الإيمان حبة خردل – مما يحفظ عليه كرامته الإنسانية وإيمانه الصادق.
وهذا الحد الأدنى من المكاسب، ليس بأدنى. بل هو كبير جدا، فإنه لا يسعى للتحرر إلا أحرار النفوس. ولا يغير الحياة، إلا من يغايرها. وهل فتح النبي صلى الله عليه وسلم الدنيا إلا بمن هذه أوصافهم؟!
التعليقات