الحمد لله ربِّ العالمين وربِّ العرش الكريم، والصلاة والسلام على أشرف خَلْقه وأكْرم رُسله محمد الأمين، عليه أزكى الصلوات وأَتَم التسليم.
وبعدُ:
فقد مُلئت “فاتحة الكتاب” من الأسرار والعلوم ما لو فُتح على العبد أقل القليل منها، لانصبَّت عليه ينابيع العلم صبًّا.
فإنَّ “فاتحة الكتاب” ترسم للمرء الغاية من حياته، وتُرْشده إلى وسيلة تحقيقها، وتنادي على صراط الله، وفيها علاج لأمراض القلب التي متى استحكمتْ فيه أقْعَدَتْه عن السير إلى مولاه، فهي هدايات في باب التصوُّر والعلم، وفي باب الإرادة والعمل جميعًا.
وهي السبع المثاني التي دلَّتْ على معاني الخير مثنى مثنى؛ ليعقلَها المرءُ، وهي أُم الكتاب التي جمعتْ معاني الوحي ومقاصد الشرع، فمن تدبَّرها حقَّ التدبُّر، فتحتْ له جميع مراتب الهداية، كلٌّ على حسب إيمانه.
بداية السير لجوءٌ واستعانة:
تبدأ القراءةُ بالاستعاذة: أعوذ بالله منَ الشيطان الرجيم، وفيها اللجوء إلى الله والالتصاق بجَنَابه، والاعتراف بضَعف العبد وحاجته لمولاه، وفيها تذكيرٌ بالعدو الذي أخرج أبَوينا من الجنة، وسخَّر حياته لغواية البشر؛ لعلَّ النار تمتلئ بهم معه.
وما سُمِّي الشيطان شيطانًا إلا لتمرُّده على طاعة الله، واستحقاقه الطردَ من رحمته، وهذا التمرُّد على طاعة الله هو ما يحاول بثَّه بين البشر، فكم قبَّحها وصوَّرها على أنها عاداتٌ بالية وتقاليد رجعيَّة.
وما سُمِّي بـ”إبليس” إلا لإبلاسه ووسوسته في خفاء، تزيينًا للباطل كأنه الحقُّ، وتقبيحًا للحقِّ كأنه باطل، فتراه يزيِّن التَّمَرُّد على شرْعِ الله وأمرِه باسم الحرية والتقدُّميَّة تلبيسًا وخداعًا.
والاستعاذة براءة مِن تمرُّده ووقاية مِن تلْبيسِه لمعاني القرآن وصرْفها عن الحقِّ الذي جاءتْ به.
ثُم نبدأ في قراءة أول آيات الفاتحة – على الراجح -:
﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [الفاتحة: 1]، والباء تأتي – لغةً – لمعان منها الاستعانة، فهي استعانة برحمته الواسعة في كلِّ الأمور، وبذلك تُفتح كوامن العلم والفَهْم، ويُوفَّق المرء لِتَمام الخير.
وتنبَّه – أخي الكريم – لهذا الالتصاق واللجوء في الاستعاذة لدفْع الشر، والاستعانة والتوكُّل في التسمية؛ طلَبًا للعون، وفتْحًا لأبواب الخير، فإنه إرشادٌ إلى أنه لا سبيلَ للمرء لدفْع الضُّرِّ وجَلْب الخير إلا بالعودة إلى مولاه والالتجاء إليه، فمَن أرادَ الصعود في معارج الهداية، ورامَ فتحَ أبواب الفَهْم والتدبُّر في دين الله، فليبدأ المسيرَ بلجوءٍ واستعانة.
هداية العلم بالمولى:
وبعد التسمية حمدٌ لله بكمال صفاته وإنعامه، وهو يفتح أبوابَ العلم بالله وبأسمائه وصفاته التي تُوجِب في قلب المؤمن حمدَه – سبحانه – وحبَّه: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الفاتحة : 2 – 4]، وفيحمده – سبحانه – بألوهيَّته وربوبيَّته، ورحمانيَّته ومُلكه، إثباتُ كلِّ كمالٍ للربِّ فِعلاً ووصفًا واسمًا، وتَنْزِيهه عن كل عيبٍ فِعْلاً ووصفًا واسمًا؛ لذا قال أهل العلم: إنَّ هذه الصفات الأربع عليها مدار أسمائه – سبحانه – وصفاته، أي إنَّ هذه الصفات في اتِّساعها وشمولها وكمالها تجمعُ تحتها صفات الجلال والكمال والجمال التي تدل عليها بَقيَّة أسماء الله، فمن تدبَّر معانيها، فُتحتْ له أبواب الهداية والعلم بمولاه.
تفكُّر وسكن وحُب وعبادة:
فاسمه – سبحانه – (الله) علمٌ على ذاته، وهو جامعٌ لمعاني أسماء الله الحسنى كلها، ومُتضمِّن لكمال الجلال والجمال.
وقيل: إنه بمعنى “المألوه”؛ أي: المعبود، والتألُّه هو: التعبُّد والتنَسُّك، وقيل: هو من قول العرب: ألهتُ إلى فلان؛ أي: سكنتُ إليه، وقيل: مَن ألهتَ إليه؛ أي: فزعتَ إليه، وقيل: من أله إذا تحيَّر، وقيل: أصل الإله “ولاه”، فأُبدلتِ الواو بالهمزة، واشتقاقه من الوَله، وقيل: مُشتق من الارتفاع، فكانت العرب تقول لكلِّ شيءٍ مرتفع: (لاها).
فهو – سبحانه – من تألَّهتْه العقول، وتألهتْ إليه القلوب، فالعقل والفكْر يحتاران في حقائق صفاته وفي عجيب مخلوقاته، والقلوب لا تسكن إلا بذِكْره، وليس للعباد ملجأ يفزعون في النوائب إلا إليه، وهو – سبحانه – مَن ارتفع بذاته مستويًا على عرْشه، فهو وحدَه – سبحانه – المستحق للتألُّه والتعبُّد والتنسُّك؛ كما قال – سبحانه -: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56].
ولو تفكَّر قلبُ العبد في هذه المعاني الجليلة لاسم (الله)، لأوجبتْ له السكون إلى مولاه، واللجوء إليه، ووقوف العقل عن التفكير في ذاته إلى تدبُّر أسمائه وصفاته، والنظر في عظيم مخلوقاته، وتكاد القلوب المؤمنة أن تتفتتَ من فرط محبَّتها له، وتعلُّقها به؛ مما يثمر أُنس هذه القلوب به وحدَه لا بسواه، فلا يفتر الجسد عن خِدْمته، ولا يسْأَم اللسان عن ذِكره، ويُوجِب خضوعَ العبد لمولاه والذل والانقياد على التمام، وتقديم رضاه على كلِّ ما سواه.
تدبير وقهْر:
وعمَّ – سبحانه – العالمين بربوبيَّته؛ ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2]، والربُّ هو السيد، و”العالمين”: جميع المخلوقات، واختصاص هذا الجمع بلفظ العالمين؛ لاشتماله على العقلاء والجمادات، فهو مالك الأعيان ومُنشيها، ومُوجِد الرسوم والديار بما فيها.
ويدل اسمُ الربِّ على تربية الخلق، فهو مُربِّي نفوس العابدين بالتأييد، ومُربي قلوب الطالبين بالتسديد، ويدل اسمُ الربِّ أيضًا على إصلاحه لأمور عباده؛ فهو مُصْلح أمور الزاهدين بجميل رعايته، ومصلح أمور العابدين بحُسن كفايته.
أصلحَ أمورَ قومٍ فاستغنوا بعطائه، وأصلح أمورَ آخرين فاشتاقوا للقائه، وقوم أصلحَ أمورَهم فاستقاموا للقائه.
وتربيته – تعالى – لخَلْقه نوعان؛ عامة وخاصَّة:
فالعامة: هي خَلْقُه للمخلوقين ورزقهم وهدايتهم لما فيه مصالحهم التي فيها بقاؤهم في الدنيا.
والخاصة: تربيته لأوليائه، فيربِّيهم بالإيمان، ويوفِّقهم له، ويكمله لهم، ويدفع عنهم الصوارف والعوائق الحائلة بينهم وبينه، وحقيقتها: تربية التوفيق لكلِّ خيرٍ، والعِصْمة من كل شرٍّ، ولعلَّ هذا هو السرُّ في كون أكثر أدعية الأنبياء بلفظ الربِّ.
ودلَّ قوله: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ على انفراده بالخَلْق والتدبير والنعم، وكمال غناه، وتمام فقْر العالمين إليه بكلِّ وجْه واعتبار؛ ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأعراف: 54].
فمن وقفَ على معاني ﴿ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾، وجدَه قيُّومًا قام بنفسه؛ وقام به كلُّ شيءٍ، فهو قائمٌ على كلِّ نفس بخيرها وشرِّها، قد استوى على عرشه، وتفرَّد بتدبير مُلكه، فالتدبير كلُّه بيديه، ومصير الأمور كلُّها إليه، فمراسيم التدبيرات نازلة من عنده بالعطاء والمنع، والخفض والرفع، والإحياء والإماتة، والتوبة والعزل، والقبض والبسط، وكشف الكروب وإغاثة الملهوفين، وإجابة المضطرين؛ ﴿ يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ﴾ [الرحمن: 29].
لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، ولا مُعقِّب لحُكْمه، ولا رادَّ لأمره، ولا مُبدِّل لكلماته، تعرجُ الملائكة والرُّوح إليه، وتعرض الأعمال – أول النهار وآخره – عليه، فيُقدِّر المقادير ويُوقِّت المواقيت، ثم يسوق المقادير إلى مواقيتها، قائمًا بتدبير ذلك كلِّه وحفظه ومصالحه.
فربوبيَّتُه – سبحانه وتعالى – أعظم دليلٍ على ألوهيَّته، وأنَّه وحدَه – سبحانه – المستحق للعبودية؛ قال – تعالى -: ﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ ﴾ [الأنعام: 102].
ولو عقل المرءُ ضَعفه وحاجته إلى ربوبيَّة مولاه في كلِّ شيء، لأورثه ذلك الحبَّ والخضوعَ لله ربِّ العالمين، ولو تفكَّر في أمره الكوني وتفرُّده به وحدَه، لعَلِم أنَّه لا يحقُّ لأحدٍ أن يُشْركَ معه في أمره الشرعي تحليلاً أو تحريمًا أو تشريعًا.
رحمةٌ بالظواهر وتوفيقٌ للسرائر:
وأمَّا اسْمَاهُ – سبحانه – ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾، فجمعا صفات الإحسان والجود، والبر والحنان، والمنَّة والرأْفة واللُّطْف، وكُررت الصفة لعمومها وثبوت تعلُّقها.
فبرحمته أرسلَ إليهم رُسله، وأنزلَ عليهم كُتبه، وبها هداهم وبها أسكنهم دارَ ثوابه، وبها رزقَهم وعافاهم، وأنعمَ عليهم، وبرحمته وضع الرحمة بين عباده ليتراحَموا بها، وبرحمته رزق عبادَه وخَلَق لهم ما يُصْلح دنياهم، وهداهم إلى ما يُصْلح أُخْراهم، وقدَّر بينهم ما تتمُّ به معايشهم.
وأما الجنة وسُكَّانها وأعمالهم، فبرحمته خُلقتْ، وبرحمته عُمرتْ بأهلها، وبرحمته وصلوا إليها، وبرحمته طابَ عيشُهم فيها.
واقتضاءُ الرحمة لما تحصلُ به حياة القلوب والأرواح أعظمُ مِن اقتضائها لما تحصل به حياة الأبْدان.
و(الرحمن) من الأسماء التي خصَّ الله بها نفسه، و(الرحيم) الراحم لعباده المؤمنين؛ قال – تعالى -: ﴿ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 43]، قال ابن عباس: هما اسمان رقيقان؛ أحدهما أرقُّ من الآخر، فالرحمنُ خاصُّ الاسم، عامُّ المعنى، والرحيم عامُّ الاسم خاصُّ المعنى؛ فلأنه الرحمن رزقَ الجميع ما فيه راحة ظواهرهم، ولأنه الرحيم وفَّق المؤمنين لما به حياة سرائرهم.
فالرحمن أوسعُ أسمائه، والرحمة أوسع صفاته؛ قال – تعالى -: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه: 5]، فاستوى بأوسع صفاته على أوسع مخلوقاته، وكتبَ لَمَّا خَلَقَ الخَلقَ كتابًا، فهو عنده فوق عرْشه: “أنَّ رحمتَه سبقتْ غضبَه”، وكان هذا الكتاب العظيم الشأْن كالعهد منه – سبحانه – للخليقة كلِّها بالرحمة لهم، والعفو عنهم، والصفْح عنهم، والمغفرة والتجاوُز، والستر والإمهال، والحِلم والأناة.
ولذا قرنَ – سبحانه – رحمته هنا بربوبيَّته للعالمين، فقال – سبحانه -: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [الفاتحة : 2 – 3]، فشملَ جميعَ الخلائق برحمته؛ يقول ابن القَيِّم: “فوسِعتْ رحمتُه كلَّ شيءٍ، ووسعتْ نعمتُه كلَّ حيٍّ، فبلغتْ رحمتُه حيث بلغَ عِلمُه”، فبين خَلْقه وبينه سببُ العبودية؛ وبينه وبينهم سببُ الرحمة.
ولو تأمَّل المذنب حالَه وحال الخَلق مع برِّه وإحسانه الذي عمَّهم به، وكيف يشكرون غيره، ويعصون أمره، ويواقعون نَهْيه، ثم هو – سبحانه – يهديهم ويبتليهم بالخير والشرِّ ويمهلهم، لأوجب ذلك في القلب توبة وحياءً ومزيدَ حُبٍّ وتعلُّقٍ، ورجاء وحمد وشكر له – سبحانه وتعالى.
كمال القهر والعدل:
ولما كانت الربوبيَّة لا تتمُّ إلا بالملك المفيد للعزَّة، المقرون بالهيبة، المثمرة للبطش والقهر، المنتج لنفوذ الأمر، أتْبعَ ذلك بقوله: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الفاتحة: 4]؛ ترهيبًا من سطوات مجده.
وحقيقة الملك: إنما تتمُّ بالعطاء والمنع، والإكرام والإهانة، والإثابة والعقوبة، والغضب والرضا، والتولية والعزْل، وإعزاز مَن يليق به العِزُّ، وإذلال مَن يليق به الذلُّ؛ قال – تعالى -: ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [آل عمران: 26 – 27]، وقال – تعالى -: ﴿ يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ﴾[الرحمن: 29].
فتصرُّفه في مُلكه دائرٌ بين العدل والإحسان، والحِكْمة والمصلحة والرحمة، ولا يخرج تصرُّفه عن ذلك.
أما يوم الدين فسُمِّي بذلك؛ لأنه يوم الجزاء بالعدل ويوم القهْر، وهو يوم لا تنفع فيه إلا الطاعة، وخصَّه بالملك لتفرُّده – سبحانه – فيه بالحُكْم، ولأنه اليوم الحقُّ وما قبله كساعة، ولأنه الغاية وأيام الدنيا مراحل إليه؛ قال – تعالى -: ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ﴾ [الانفطار : 17 – 19].
وفي صحيح مسلم عن عبدالله بن عمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يطوي الله – عز وجل – السماوات يوم القيامة، ثم يأخذهنَّ بيده اليُمنى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبَّارون؟ أين المتكبِّرون؟ ثم يطوي الأرضين بشماله، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبَّارون؟ أين المتكبرون؟)) رواه مسلم (2788).
فهو – عز وجل – يُنادي يوم القيامة: ﴿ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ﴾ [غافر: 16]، فلا يجيبه أحدٌ، فيجيب نفسَه بنفسه – سبحانه وتعالى -: ﴿ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾ [غافر: 16]، فيظهر تمامَ الظهور كمالُ مُلْكِه وعَدْله وحِكْمته، وانقطاع أملاك الخلائق، حتى يستوي الملوك والرعايا كلهم مذعنين لعظمته، خاضعين لعزَّته، منتظرين لمجازاته، راجين ثوابه، خائفين من عقابه، فهو بإلهيَّته متوحِّد، وبملكه متفرِّد، فأمَّا الأعداء فيحاسبهم ثم يعذبهم، وأمَّا الأولياء فيعاتبهم ثم يقرِّبهم.
فمَن تمَّ له العلم بأنه – سبحانه – مَلِك يوم الدين، لا ترى لضرورات الدنيا الزائفة الزائلة تحكُّمًا فيه؛ فقد استعلى عليها، ثم هو لا يخالجه شكٌّ في جزاء سعيه إذا تأخَّر عن هذا العمر القصير المحدود المحصور في هذه الدنيا، فيثمر ذلك العمل لوجه الله وانتظار الجزاء حيث يقدِّره الله؛ في الدنيا أو في الآخرة سواء، وتملأ القلب الطمأنينة والثقة والإصرار على التمسُّك بالحقِّ.
وعقيدة الإيمان بيوم القيامة مفرق الطريق بين العبوديَّة للنزوات والرغائب، وانطلاقة النفس من ربقها إلى رحاب العبودية لله وحدَه، وبين الخضوع لتصوُّرات الدنيا وقِيَمها وموازينها والتعلُّق بالقِيَم الربَّانيَّة، والاستعلاء على منطق الدُّنيا الفانية.
ولا تستقيم حياة البشر على منهج الله ما لم يؤمنوا بيوم البعث والنشور، وما لم تطمئن قلوبُهم إلى أنَّ جزاءَهم على الأرض ليس هو نصيبهم الأخير، وما لم يثق الفرد المحدود العمر بأنَّ له حياةً أخرى تستحقُّ أنْ يجاهدَ لها، وأنْ يضحِّي لنُصرة الحقِّ والخير معتمدًا على العوض الذي يلقاه فيها.
وما يستوي المؤمنون بالآخرة والمنكرون لها في شعور ولا خُلق ولا سلوك ولا عمل؛ فهما صنفان مختلفان من الخَلق، وطبيعتان متميزتان لا تلتقيان في الأرض في عمل ولا تلتقيان في الآخرة في جزاء، وهذا هو مفرق الطريق بينهما.
فمن تدبَّر ذلك لم يقر له قرارٌ على معصيةٍ أو تنكُّب لطريق الهدى، بل يثمر ذلك وَجَلَ القلب ويقظته من غَفْلته أو غفوته.
قلائد الحمد:
وهذه الهِدايات في العلم بالله ربِّ العالمين الرحمن الرحيم، ملك يوم الدين، والتي تُقَسَّم بين العباد كما الأرزاق، تُثمر في القلوب حمدًا بمقدار ما فُتح لها، وعَلِمَ الحقُّ – سبحانه وتعالى – شدة إرادة أوليائه بحمده وثنائه، وعجزَهم عن القيام بحقِّ مدحه على مقتضى عِزِّه وسنائه، فأخبرهم أنه حَمِد نفسه بما افتتح به خطابه بقوله: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2]، فانتعشوا بذاك بعد الذِّلة، فالحمد لله ربِّ العالمين.
وهذا خطيب الأوَّلين والآخرين، سيِّد الفصحاء، وإمام البُلغاء – صلَّى الله عليه وسلَّم – لمَّا سمع حمدَه – سبحانه وتعالى – لنفسه، عَلِمَ – صلَّى الله عليه وسلَّم – أنَّ تقاصُرَ اللسان أليقُ به في هذه الحالة، فقال: ((لا أحصي ثناءً عليك؛ أنت كما أثنيتَ على نفسك))، فكان افتتاح الكلام بالتحميد سُنَّة الكتاب المجيد لكلِّ بليغ مجيد.
وحقيقة الحمد الثناء عليه – سبحانه – بِذِكْر نعوته الجليلة وأفعاله الجميلة، المثمر لحبِّ القلب وخضوعه، و”اللام” ها هنا للاستغراق؛ فجميع المحامد لله – سبحانه – إمَّا وصْفًا وإمَّا خلقًا، فله الحمد لظهور سلطانه، وله الشكر لوفور إحسانه، والحمد لله لاستحقاقه لجلاله وجماله، والشكر لله لجزيل نواله وعزيز أفضاله، فحمده – سبحانه – له هو مِن صفات كماله وحَوْله، وحمد الخَلْق له على إنعامه وطوْلِه، وجلاله وجمال استحقاقه لصفات العلو، واستيجابه لنعوت العزِّ والسمو.
فهو – سبحانه وتعالى – المحمود في ألوهيَّته، المحمود في ربوبيَّته، المحمود في رحمانيَّته، المحمود في مُلكه، المحمود لاقتران مُلكه وعَدْله برحمته، ولاقتران ألوهيَّته ولزوم عبادته بربوبيَّته لعموم خَلقه، فالحمد أعمُّ المعارف وأوسع العلوم، وهو متضمِّن لجميع صفات كماله ونعوت جلاله، مستلزم لها كما هو متضمِّن لحِكْمته في جميع أفعاله وأوامره، وهو – سبحانه – المحمود على كلِّ حال، وعلى كلِّ ما خَلَقَه وشرَعَه.
فمَن امتلأ قلبه بالحمد، امتلأ ميزانَه به يوم لقاء مولاه؛ قال – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((والحمد لله تملأُ الميزان)).
فاللهم لك الحمد مِلء السماوات والأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئتَ من شيءٍ بعد، ولك الحمد كلُّه حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيتَ، ولك الحمد بعد الرضا.
هدايات الوصول (عبادة وإعانة):
ومن صحَّ له العلم بمولاه، لا يصح في حقِّه ركونٌ إلى دنياه، بل تسير به هِمَّتُه في الطريق الموصلة لغايته مِن رضا ربِّه وجنته، فيقطعها العبد بالعبادة، ومنه – سبحانه – الإعانة؛ قال – تعالى -: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]، فهي مقسومة بين العبد ومولاه، وفي الحديث القُدسي: “هذا بيني وبين عبدي”.
وكما جُمعتْ معاني القرآن وكُليَّاته في الفاتحة، فقد جُمعتْ معاني الفاتحة في: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾؛ إذ العبادة تُبرئ من الشرْك، والاستعانة تبرئ من الحول والقوة، وإلى هذين المعنيين يرجع الدين كلُّه.
وأما حقيقةُ العبادة، فهي غاية الحبِّ مع غاية الذلِّ والخضوع، والطريق المعبَّد المذلَّل للسير فيه، فلو عبَّد المرءُ قلبَه، لسارت عليه نصوصُ الوحي مثمرةً؛ امتثالاً للأمر واجتنابًا للنهي، وعلى قدْر وعورة القلب وقساوته يكون تململه وعناده.
وأما حقيقةُ الاستعانة فهي الثقة بالله والاعتماد عليه، ومَنشأ ذلك معرفة القلب بمولاه، وأنه – سبحانه – المتفرِّد بالخَلق والتدبير، والضُّر والنفْع، والعطاء والمنع، وأنَّه ما شاءَه كان وإنْ لم يشأ الناس، وما لم يشأْ لم يكنْ وإنْ شاءَه الناس، فلا يعتمد إلا عليه ولا يفوِّض أمرَه إلا إليه، ولا يطمئن قلبُه إلا به، فحال المستعين كحال الطفل مع أبويه فيما يرجوه أو يخافه، لا تجد قلبَه يلتفتُ إلى غير أبويه، وتراه كاملَ الثقة والاعتماد عليهما، فهذه حال المتوكِّل ومَن كان هكذا مع الله، فالله كافيه؛ قال الله – تعالى -: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3]؛ أي: كافيه.
فالعبادة تشير إلى بذْل الجُهد والمنَّة، والاستعانة تخبر عن استجلاب الطول والمِنَّة، وبالعبادة يظهر شرفُ العبد، وبالاستعانة يحصل اللطف للعبد، وفي العبادة وجود شرفه، وبالاستعانة أمان تَلَفه، والعبادة ظاهرُها تذَلُّل، وحقيقتها تعزُّز وتجمُّل:
وَإِذَا تَذَلَّلَتِ الرِّقَابُ تَقَرُّبًا مِنَّا إِلَيْكَ فَعِزُّهَا فِي ذُلِّهَا |
فالعبادة نُزهة القاصدين، ومستروح المريدين، ومربع الأنس للمحبِّين، ومرتع البهجة للعارفين، بها قُرَّةُ أعينهم، وفيها مَسرة قلوبهم، ومنها راحة أرواحهم، وإليه أشارَ – صلَّى الله عليه وسلَّم – بقوله : ((أرِحنا بها يا بلال)).
والاستعانة إجلالك لنعوت كرمه، ونزولك بساحة جوده، وتسليمك إلى يد حُكْمه، فتقصده بأملٍ فسيح، وتخطو إليه بخطو وسيع.
فوجب مِن ذلك – على المعرضين عن مقام العبادة والاستعانة إلى الانشغال بسفاسف الدنيا – الخذلان، ووجبَ عليهم – بتعلُّق قلوبهم بالأسباب دون مسببها – الذلُّ.
وقد يسألونه – سبحانه – شهواتهم وحظوظهم، فيستجيب لمثل ذلك طردًا وإبعادًا وزيادةً في الشقاوة، نسأل الله العافية.
وأما مَن له نوع عبادة مع نقْص توكُّل، فإنه يستجلب من الضَّعف والمهانة، والخذلان والعجز بمقدار ما نقصَ مِن توكُّله.
وأما مَن له نوع استعانة على تحصيل الدنيا والمال والشرف بلا عبادة، فلو كانت سبيلاً للطاعة نفعته، وإلا ألحقته بالملوك الظلمة والأغنياء الفَجَرة.
وفي تقديم ﴿ إِيَّاكَ ﴾ وتَكْراره الاهتمام والحصر؛ أي: لا نعبد إلا إياك، ولا نتوكَّل إلا عليك، وهذا كمال الطاعة، وفي النون معنى الاجتماع في الصلاة وفي الطلب.
ومن هنا تظهر هدايات الوصول في: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾، حيث بها صلاح الإرادة والعمل، فتتمحَّص عند العبد غايته في حياته، فلا ينشغل بغيرها، والوسيلة الموصِّلة إليها، فلا يتوسَّل بما سواها.
فمن فسدتْ غايتُهم من أهل الشهوات، وأصحاب الرياسات والوجاهات، فلا تراهم قائمين بالحقِّ، إلا إذا وافقَ أغراضَهم وأهواءهم، فإن رأوه عائقًا أو مانعًا من رياستهم ووجاهتهم، طحنوه وداسوه بأَرْجُلهم؛ قال – تعالى -: ﴿ وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ ﴾ [النور: 48 – 49].
فهؤلاء قد يفرحون قليلاً، فإذا بطلت الغايات التي طلبوها واضمحلَّت وفنيتْ، أصابهم أعظمُ الخسران والحسرات، وهذا يظهر كثيرًا في الدنيا، ويظهر أقوى من ذلك عند الرحيل منها والقدوم على الله، ويشتد ظهورُه وتحقُّقه في البرزخ، وينكشف كلَّ الانكشاف يوم اللقاء، إذا حقت الحقائق، وفاز المحقون، وخَسِر المبطلون، وعَلِموا أنَّهم كانوا كاذبين، وكانوا مخدوعين مغرورين، فيا له هناك مِن علمٍ لا ينفع عالمه، ويقين لا يُنجي مستيْقِنه.
وأمَّا مَن طلب الغاية العُليا، ولكن لم يتوسَّل إليها بالوسيلة المشروعة، بل توسَّل إليه بوسيلة ظنَّها موصِّلة إليه كالبدع، فهذا من أعظم القواطع، وفساد وسيلته يحول دون وصوله لمقصده، وقد يكون سببُ ذلك فسادًا في القصد كذلك.
أمَّا مَن كان حالُه بين العبادة والاستعانة، فهذا مظنَّة التوفيق والهداية؛ ﴿ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾ [هود: 88]، ومن هنا كانتْ نصيحة المحب – صلَّى الله عليه وسلَّم – لحبيبه معاذ بن جبل – رضي الله عنه -: ((يا معاذ، والله إني لأحبك؛ فلا تنسَ أن تقولَ دُبرَ كلِّ صلاة: اللهم أعني على ذِكرك وشُكْرك، وحُسن عبادتك))، نصيحة بأنفع الدعاء، مما يحتاجه العبد في جميع أحواله.
وشفاء لما في الصدور:
وفي قوله: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ دواءٌ لأمراض القلوب، وهو مركَّب من ستة أجزاء؛ ثلاثة تصح بها العبوديَّة لله لا غيره: أن تكونَ بأمره وشرْعه، وألا تكون بالهوى، وألا تكونَ بآراء رجال وأوضاعهم ورسومهم وأفكارهم، وثلاثة تصح بها الاستعانة: بأن تكونَ به – سبحانه – وأن يتبرَّأَ العبد مِن قوَّته وحوله، وألا يعتمدَ قلبُه فيها على غيره – سبحانه – فإذا استعمل المريضُ الدواءَ حصلَ له الشفاءُ التام، وما نقصَ من الشفاء، فهو لفوات جزءٍ من الدواء أو أكثر.
ومِن أخطر أمراض القلوب مرضان يعرضان للقلب، فيُتْلِفَانه ويُفسدانه ويُذهبان الإيمان منه؛ الرياء والكِبر.
ودواءُ الرياء بـ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾، ودواء الكبر بـ﴿ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾، فلو تدبَّر المرائي حقيقة العبوديَّة ومقام الألوهيَّة، لما التفتَ إلى البشر؛ فما لهم من الأمر شيء، ولو نظَرَ المتكبِّر لحقيقة الاستعانة، لرأى صِغر نفسه، وعجزها وضَعفها وحاجتها؛ لذا قال بعض العارفين: “كنْ مع الحقِّ بلا خَلق، ومع الخلق بلا نفْس، ومَن لم يكنْ كذلك، لم يزلْ في تخبيط، ولم يزلْ أمرُه فرطًا”.
وقد قال أهلُ العِلم: إنَّ ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ له – سبحانه – وإنَّ ﴿ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ للعبد، وفي الحديث: “هذا بيني وبين عبدي”، فبالنصف الأول تصلح علاقة العبد بمولاه، فيذهب الرياء ويتحقق الإخلاص، وبالثاني ينصلح نظرُ المرء لنفسه، فيذهب الكِبر، ويحل التوكُّل؛ يقول ابن القَيِّم – رحمه الله -: “فإذا عُوفِي من مرض الرياء بـ ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾، ومن مرض الكبرياء والعُجب بـ﴿ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾، ومِن مرض الضلال والجَهْل بـ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾، عُوفِي من أمراضه وأسقامه، ورفلَ في أثواب العافية، وتمَّت عليه النعمة، وكان من المنعَم عليهم: ﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾.
وهم أهل فساد القصد الذين عَرَفوا الحقَّ وعدلوا عنه ﴿ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾، وهم أهل فساد العلم الذين جَهِلوا الحقَّ ولم يعرفوه، وحُقَّ لسورة تشتمل على هذين الشفاءين أن يُسْتَشْفَى بها مِن كلِّ مرضٍ”.
يهديهم ربُّهم بإيمانهم:
فمن صحَّ له العلم بالله – سبحانه – والعلم بالطريق الموصِّلة إليه، وصحَّت غايتُه ووسيلته، فهو أحوج ما يكون إلى هداية الله؛ إرشادًا وتوفيقًا، فكان بداية الدعاء الإرشاد إلى طلبها بقول: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾، وكان هذا الدعاء هو حظُّ العبد من الله، ولم يُعْطَ أحدٌ في الدنيا والآخرة أفضل منه، كما منَّ الله على رسوله – صلَّى الله عليه وسلَّم – بعد الفتح بقوله: ﴿ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ﴾ [الفتح: 2]، والمراد يوفِّقك ويرشدك، فتضمَّنت الهداية إلى ذلك العلم والعمل الصالح على وجْه الاستقامة والكمال، والثبات عليها حتى لقاء الله.
والهداية دَلالة بلُطف، ولذلك تستعمل في الخير، وقوله – تعالى -: ﴿ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ ﴾ [الصافات: 23] وارد على التهكُّم، وأصلُها الإمالة، فمعنى اهدنا؛ أي: مِلْ بنا إليك، وخُذْنا لك، وكنْ علينا دليلنا، ويَسِّرْ إليك سبيلَنا، وأقمْ لنا هِمَمَنا، واجمعْ بك همومَنا.
والعبد أحوجُ ما يكون إلى هذه الهداية وإلا انقطع، فهو محتاجٌ إلى هداية الله؛ ليعلمَ الحقَّ ويدركَه، ثم ليقدره عليه، ثم ليجعلَه مُريدًا له، ثم ليجعلَه فاعلاً له، ثم ليثبِّتَه عليه ويستمر به عليه، ثم ليصرف عنه الموانع والعوارض، كلُّ هذا يحتاجه المرءُ ليهتدي لطريق الحقِّ إجمالاً، ثم بعد ذلك يحتاج إلى هداية أخصُّ من الأولى؛ ليعرفَ تفاصيله وتفصيل منازله، ثم يحتاج إلى هداية؛ ليشهد المقصود من كلِّ عبادة لينتبه إليه فلا يلتفت إلا إليه، ثم يحتاج إلى هداية ليشهد فقره، فإنه لو ضلَّ عن هذا المعنى، انقطع عن السير، ثم هو في حاجة إلى أن يهديه مولاه ليبتعدَ عن طريق المنحرفين عن الحقِّ، طريق أهل العضب الذين عدلوا عن اتِّباع الحقِّ؛ قصدًا وعنادًا، وطريق أهل الضلال الذين عدلوا عنه؛ جَهْلاً وضلالاً، فمَن هداه الله إلى ذلك، فقد هُدي إلى الصِّراط المستقيم الواحد الذي سارَ عليه جميعُ أنبياء الله ورُسله وأتْباعهم؛ من الصِّدِّيقِين، والشُّهَداء والصالحين.
وهذه الهداية إلى الصراط المستقيم أجَلُّ ما يُطلب، ونَيلُها أشرفُ ما يُوهَب؛ لذا أرشدَ الله عبادَه إلى وسيلتين لا يكاد يُردُّ معهما دعاء؛ التوسُّل إليه بأسمائه وصفاته، والتوسُّل إليه بعبادته، وبالتفاوت فيهما تتفاوت استجابة الله للسائلين.
فمن اهتدى بالدلالة والإرشاد إلى معرفة الحقِّ، واهتدى بتوفيق الله إلى العمل والثبات، وتمَّت له هدايته بأنْ يُهدى إلى تقصيره وذنبه ليتوبَ منه، كان ممن يهديهم ربُّهم إلى منازلهم في الجنة؛ قال – تعالى -:﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴾ [يونس: 9].
وأمَّا مَن بيَّن الله لهم الحقَّ فلم يسلكوا طريقَه، واستحبُّوا العَمى والمعصية كقوله – تعالى -: ﴿ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى ﴾ [فصلت: 17]، وقوله – تعالى -: ﴿ إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ ﴾ [النحل: 37]، فيهديهم يوم القيامة إلى نار الجحيم؛ قال – تعالى -: ﴿ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ ﴾ [الصافات: 22 – 23].
فاللهم اقطعْ أسرارنا عن شهود الأغيار، ولوِّح في قلوبنا طوالع الأنوار، وأفْرِدْ قصودنا إليك عن دَنَس الآثار، ورقِّنا عن منازل الطلب والاستدلال إلى جَمْع ساحات القُرب والوصال.
اللهُمَّ واهدنا الصِّراط المستقيم؛ حتى لا يصحبنا قرينٌ مِن نزغات الشيطان ووساوسه، ورفيق من خطرات النفوس وهواجسها، أو تستهوينا آفة من نشو أو هوادة، وظن أو عادة، وكَلل أو ضَعف إرادة، وطمع مالٍ أو استزادة.
وهذا صراط ربك مستقيمًا:
وفضل الهداية وعظيم سعادة مَن نالها، هو فضلٌ لهذا الصراط الذي بالهداية يكون الإرشاد إليه والتوفيق للثبات عليه.
وهذا الصراط هو محل السلوك الذي لا وصول دونه، وهو مرجع الضال إلى ما ضلَّ عنه، وهو الذي لا يضل بمهتديه؛ لإحاطته وشمول سريانه.
والصراط في اللغة ما جمعَ خمسة أوصاف؛ أن يكون طريقًا مستقيمًا سهلاً، مسلوكًا واسعًا، موصِّلاً إلى المقصود، وهكذا صراط ربِّك لا ترى فيه اعوجاجًا، ولا عنتًا ومشقة، يسلكه الصالحون، ويتسع لكلِّ مَن أرادَ لزومَه، ومَن صَبَرَ عليه وصَلَ إلى مقصوده مِن رضا الله والجنة.
و”المستقيم” هنا مستعار للحقِّ البيِّن الذي لا تخالطه شُبهة باطل، فهو كالطريق الذي لا تتخلله بُنَيَّات، والله أعلم.
فهو كما يقول ابن القَيِّم – رحمه الله -: “طريق الله الذي نصبَه لعباده على ألْسِنة رُسله، وجعَلَه مُوصِّلاً لعباده إليه – سبحانه وتعالى – ولا طريق لهم إليه سواه، بل الطرق كلُّها مسدودة إلا هذا، وهو إفراد الله بالعبوديَّة، وإفراد رسوله – صلَّى الله عليه وسلَّم – بالطاعة فلا يشركْ به أحدًا في عبوديته، ولا يشرك برسوله أحدًا في طاعته، فيجرِّد التوحيد ويجرِّد متابعة الرسول – صلَّى الله عليه وسلَّم – وهذا معنى قول بعض العارفين: “إن السعادة والفلاح كله مجموع في شيئين؛ صِدق محبَّته، وحُسْن معاملته”، وهذا كلُّه مضمون شهادة أنْ لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، فأيُّ شيءٍ فُسِّرَ به الصراط، فهو داخل في هذين الأصلين، ونكتة ذلك وعقده أن تحبَّه بقلبك كلِّه، وترضيه بجُهدك كلِّه، فلا يكون في قلبك موضع إلا معمور بحبِّه، ولا تكون لك إرادة إلا متعلِّقة بمرضاته”.
فالصراط المستقيم ما عليه من الكتاب والسُّنَّة دليل، وليس للبدعة عليه سلطان ولا إليه سبيل، الصراط المستقيم ما شهدتْ بصحته دلائلُ التوحيد، ونبَّهتْ عليه شواهدُ التحقيق، الصراط المستقيم ما دَرَجَ عليه سَلَفُ الأمة، ونطقتْ بصوابه دلائلُ العبرة.
فمن التزم صراطَه في الدنيا جازَ الصراط في الآخرة، ومَن علقتْ كلاليب الدنيا والهوى بقلْبه، خطفتْه كلاليبُ جهنَّم من على طرفي الصراط، نسألُ الله الهداية إلى صراطه المستقيم؛ إرشادًا وتوفيقًا.
تشريفٌ وإنعام:
والنفس قد يخالجها سؤال عن مقدار الرِّبح والخسارة لمن سلكَ هذا الصراط، وقد يستوحش المرءُ لقلة السالكين، وقد تتقافز شياطين الإنس أمامَه تزيِّن سُبلَ الضلال، وتسخَر مِن أهْل الحقِّ وصراطهم، فجاء البيانُ والتفصيل بما لهم من تفضيل؛ قال – تعالى -: ﴿ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ ﴾ [الزخرف : 32]، فرفعَ الله قدرَهم، وأضافَ الطريق لهم تشريفًا لهم وتذكيرًا بنعمته عليهم، وتعليمًا لكلِّ سائرٍ ليقتدي بهم، فأيُّ شرفٍ بعد هذا الشرف؟ وأمَّا استهزاء شياطين الإنس بهم، فلا يعدو كونه صدًّا عن سبيل الله، وما سُخْريتُهم منهم إلا سُخرية من الصراط نفسه؛ إذ نسبه – سبحانه – إليهم.
وأَوْلَى الناس بهذه النسبة والوصْف الذين: ﴿ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النساء: 69].
فكيف تحصل للسائر وحشة وهؤلاء رفقاؤه وقدوته؟ وكيف يكترثُ بالمخالفين الناكبين عنه وهم الأقلُّون قدرًا وإن كانوا الأكثرين عددًا؟ وكما قال بعض السلف: “عليك بطريق الحقِّ، ولا تستوحِشه لقِلَّة السالكين، وإيَّاك وطريق الباطل، ولا تغتر بكثرة الهالكين”.
ولذلك ندعو في دعاء القنوت: “اللهم اهدنا فيمن هديتَ”؛ أي: أدخلني في هذه الزمرة، واجعلني رفيقًا لهم ومعهم، فهو توسُّلٌ إلى الله بنعمه وإحسانه؛ أي: كما أنعمتَ بالهداية عليهم، فاجعلْ لنا نصيبًا من هذه النعمة، واجعلنا واحدًا من هؤلاء المنعَم عليهم، وتصدَّق علينا في جملة مَن تصدَّقْتَ عليهم، وعَلِّمْنَا في جملة مَن عَلَّمْتَهم، وأحْسِنْ إلينا في جملة مَن شملتَهم بإحسانك.
فالهداية إلى هذا الصراط هي أعظمُ ما أنَعَمَ الله به على أحد؛ قال – سبحانه وتعالى -: ﴿ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الأنعام: 87]، وبهذه الهداية يظهر الدين وينتصر أهلُه؛ قال – تعالى -: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ﴾ [التوبة: 33]، وقال – سبحانه -: ﴿ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ * مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾ [آل عمران: 3 – 4].
والفرقان هو النصر، فمَن أنعمَ على عباده بإنزال الهدى، أتمَّ نعمته بإنزال النصر عليهم وإن كانوا قِلَّة، فمَن نَصَر الحقَّ في نفسه، نصرَ الله به الحقَّ في أرْضه، وأعْلى به راية الدين، وأذل به أعداءَه، فكم في الهداية إلى هذا الصراط من نعمٍ لا يُحصيها المرء، وهو ما يستوجب الشكرَ، وهذا الشكر لا يتم إلا بهداية الله وهكذا، فما حالُ العبد إلا التقصير، وللربِّ – سبحانه – الإفضال والإنعام.
ومن أعدائك عالمٌ وعابدٌ!
وبعد أن علَّمنا – سبحانه وتعالى – محامدَه ونِعَمه، وصراطه وسبيل الوصول إليه، حذَّرنا من سبيل الضلال وأسباب الغضب؛ إذ لا يستقيم المرءُ على الحقِّ إلا بذلك؛ قال – تعالى -: ﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 7]، فالحمد لله كثيرًا، سبحانه، رحمته سبقتْ غضبه.
فالناس ثلاثة:
الأول: عالمٌ بالحقِّ عاملٌ به، زكَّى نفسَه بالعلم النافع والعمل الصالح، فكان من المفلحين؛ قال – تعالى -: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾ [الشمس: 9]، فهذا من المنعَم عليهم.
والثاني: عالمٌ بالحقِّ متبِعٌ لهواه، فهذا من المغضوب عليهم، وأحق مَن وُصِفَ بذلك اليهود؛ قال – تعالى-: ﴿ بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [البقرة: 90]، وقال – تعالى -: ﴿ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ﴾ [المائدة: 60]، ومثلهم كل مَن سار خلف هواه، وخَالَفَ ما يعلمه من الحقِّ؛ كما قال – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن اقتطع مالَ امرئٍ مسلم بيمين كاذبة، لَقِي الله وهو عليه غضبان))؛ متفقٌ عليه.
والثالث: جاهلٌ بالحقِّ، فهذا من أهل الضلال، وأَوَّل مَن وُصِفَ بذلك النصارى؛ قال – تعالى -: ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ﴾ [المائدة: 77]، ومِن حديث عَدي بن حاتم – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اليهود مغضوب عليهم، والنصارى ضالون))؛ صحيح سُنن الترمذي.
وإن كان المغضوب عليه ضالاًّ عن هداية العمل، وكذلك الضالُّ مغضوب عليه لضلاله عن العلم الموجِب للعمل، ولكن يوصَفُ كلُّ فريقٍ بالأغلب وبالأصل في فساده.
وبهذا الفَهْم نطقَ السلف فقالوا: “مَن فَسَدَ من علماء الأمة ففيه شَبَه من اليهود، ومَن فَسَدَ مِن عبادها ففيه شَبَه مِن النصارى”، ولعلَّ مِن أوجه الشَّبَه بين العالم الفاسد وأُمة اليهود نقضَ المواثيق؛ إذ أخذ الله على أهل العلم ميثاق التبيين، فمَن نقضَه فقد أشبه اليهود؛ إذ ذمَّهم الله بكثرة نقضِ المواثيق.
فليتنبَّه مَن جَعَلَ العلم منتهى غايته، فجمعه ولم يؤدِّ زكاته عملاً به ونصرةً له، فقد ذمَّ الله مَن لا يعمل بعِلْمه، وغضب عليه، وليتنبَّه مَن يعمل بلا علمٍ، ويظن نفسَه على شيءٍ، فقد ذمَّ – سبحانه – أهل الضلال، والضلال قد يكون عن الغاية وقد يكون عن الوسيلة الصحيحة الموصِّلة.
افتقارٌ وإلحاحٌ:
وكما يبدأ العبد قراءته باللجوء والالتصاق بجنب الله؛ لدفْع الشرِّ والاستعانة على الخير، فإن العبد يختمها بالافتقار إلى مولاه والتوسُّل بين يديه، فيقول العبد: “آمين“؛ أي: يا رب، افعلْ واستجبْ.
وكأنه يستدعي بهذه المقالة التوفيقَ للأعمال، والتحقيق للآمال، وتحط رِجْلُه بساحات الافتقار، ويناجي حضرة الكرم بلسان الابتهال.
ويتوسَّل بتبرِّيه عن الحول والطاقة، والمنَّة والاستطاعة إلى حضرة الجود، وإن أقوى وسيلة للفقير تعلُّقه بدوام الاستعانة لتحقُّقه بصدْق الاستغاثة.
فمَن كان هذا حاله، فيوشك أن يُستجابَ له، فهنيئًا له الحيازة بعد الهداية، حيازة الإيمان بعد الهداية إلى صلاح العلم والأعمال.
تمَّ جمْع المادة من:
مدارج السالكين، شفاء العليل، الفوائد، بدائع الفوائد، الطبري، النسفي، نَظْم الدُّرر في تناسب الآيات والسور؛ للبقاعي، تفسير القشيري، ظلال القرآن، تفسير السعدي، وغيرها.
التعليقات