كافَّة … سُقُف الثورة!

تحت شعار الواقعية في التنظير والمطالبات تظهر التنازلات!

نعم… هذه هي الحقيقة وهذا هو واقع من يتصدى للتنظير والدعوة…

وفي الحقيقة فإن المقابلة مدهشة بين حركة الإسلاميين ومطالباتهم، وبين مثيلتها عند العالمانيين والحُكَّام، فسُقُف العمل (عندهم) تتخطى حدود المتاح أو المباح، وتتجاوز الخطوط الحمراء، أو التي نعتقد أنها حمراء، بينما نضع لأنفسنا سجونًا يصنعونها لنا، ونصنعها بأنفسنا، ونكون أسرى هذه السجون عند التنظير والعمل السياسي والدعوي!

إن الجهة المقابلة (للإسلام) قد أصبحت أكثر شراسة، وأكثر تطرفًا، لا في حقيقة الأمر، ولكنه في حقيقة الظهور «قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَر»! بل لعل ما تُخْفِي صدورهم أكبر مما بدا لنا في هذه الآونة..

ولم ينتبه كثير من قادتِنا السياسيين أو التنظريين – صوَّبَهُم الباري – أن قاعدة العمل الأصيلة قد نَبَّهَنا إليها الحق تبارك وتعالى: «وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً»، فـ(الكافِّيِّة) عند غير الإسلامي من أطياف شتى، كيهود ونصارى وعالمانيين وحُكَّام يمكننا أن نَزْعُمُ أنها (كافِّيِّة) مادية بالعَدَدِ والعُدَّة، و(كافِّيِّة) فكرية، بالوصول إلى أكثر المطالبات تطرفًا وتشددًا، فالعالماني لا يجنح إلى السِّلم، بل يضع تنظيرًا في غاية التطرف، ويسعى إليه سعيًا حثيثًا دؤوبًا، وعندما يقدر، لا يعفو! هذه هي أصوله وقواعده، أو قُل: فلسفته في إدارة اللُّعبة!

ولهذا فإن هذه الآية الكريمة فيها استشراف لحقيقة الصراع والمعركة، استشرافٌ لطريقة الخصوم، واستشراف وإيماء لخطأ المواجهة «وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً».. لقد أصبح من الواضح أن الخصوم قد نحروا سياسة المواربة على مَذْبَح المواجهة العالمية مع الإسلام، مع الإسلام كعقيدة وأصول وقواعد، لا مع الإسلام كفروع وخلافيات، ومواطن التقاء وتماس بين (فكرين)!

إن الجهة المقابلة (للإسلام) قد أصبحت أكثر شراسة، وأكثر تطرفًا، لا في حقيقة الأمر، ولكنه في حقيقة الظهور «قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَر»! بل لعل ما تُخْفِي صدورهم أكبر مما بدا لنا في هذه الآونة، وقد وضع المأفون بوش الابن قاعدة كانت مثار ضحك واستهجان، لأنه كان أكثر انحطاطا بدرجة، في المواجهة، فكان سابقًا بسُفْلٍ عن أقرانه، الذين كانوا يعملون، ولا يستعلنون، وينفذون، ولا يُنَظِّرون، فجاءت السياسية (البُوشِيَّة) (بوشٍّ مكشوف/ بوجه مكشوف)، جاءت بصرخة مُدَوِّية كصرخة الشيطان الثانية يوم أُحُد على ما رواه الإمام أحمد والحاكم والطبراني وغيرهم، لكنها سرعان ما تحولت إلى (سياسة عامة) لدى حُكَّام الصهاينة، وفرنسا وغيرها، بل وعامة أوروبا أو الدول المؤثرة في حركتها السياسية العامة، في ظاهرة صعود اليمين المتطرف، ففي إيطاليا حصل حزب ليجا بقيادة ماتيو سالفيني على 33.64% من أصوات الإيطاليين، متقدما على الديموقراطي(18%)، والخمس نجوم (14%)، وإلى الأمام (7%)، وفي فرنسا حصلت الجبهة الوطنية بقيادة ماري لوبان على 23.31% من أصوات الفرنسيين، متقدمة على الجمهورية (21%) والخضر (12%) والجمهوريون (8%)، وفي بريطانيا حصل حزب بريكست بقيادة نايجل فاراج على (31.71%) من أصوات البريطانيين متقدما على الليبرالي (16%) والعمال (10%) والخضر(7%) والمحافظون (4%) إلى غير ذلك..

وقد أوضحنا في مقالنا (في ظل الديموقراطية: هل المدنيون محاربون) أنه كلما كانت الشعوب أكثر حرية في اختيار حكامها؛ كلما كانت مسؤولة عن هذا الاختيار، فلا يمكن الفصل بين الحكام والمحكومين، باعتبار أن (إرادة) المحكوم اتجهت صراحة لإعلاء شأن الحاكم (المتطرف)!

إن التنظير العاجي البعيد عن المعطيات الآنية، ومعرفة حقيقة الظروف والمرحلة: لعبٌ بالنار، ونَخْرٌ في جسد مُنهك أصلا، جسدٌ يعاني طعنات مؤلمة من عدو ظاهر، وصديق غافل، وحليف متكاسل..

والعجيب الانتقال السريع والمفاجئ لتلك السياسة إلى المنطقة العربية بطريقة ظاهرة وبلا مواربة، فأصبحت السياسة الرمادية لبعض السياسيين والدعاة والمنظرين غير مقبولة، وتعتبر (تهمة) في ذاتها، فلن يقبل منك الحاكم العربي الآن إلا أن تُؤَمِّن على دعواه: «أنا ربكم الأعلى»! بل وتكون داعية لملته ودينه، ودين أبيه ودين أمه!! وإلا فلا مكان لك في هذا المجتمع (المؤمن) في ظاهره، فهو سيقبل منك (الإيمان الحقيقي) أو (النفاق) .. المهم أن يكون ظاهرك موافق لمناسك دينه!

وفي ظل هذا الجنون تظهر الدعوات (العقلانية)، والتنظيرات (المعتدلة)، للبحث عن كل تمييع في كتب وأدبيات الإسلام، فهذا الأمر مختلف فيه، والخلاف فيه (قديم)، وهذا الموضوع اختلف فيه (السلف)، ويسعنا ما وسعهم، وهكذا … فيعمل بعض المنظرين، ولو بحُسْن نية، وبغرض ظن الحيادية والاعتدال على العمل جنبا إلى جنب مع العالماني المتطرف، لكنه يكسر حدة من بقي عنده بقية من غَيْرة على شرائع الإسلام.

إن التنظير العاجي البعيد عن المعطيات الآنية، ومعرفة حقيقة الظروف والمرحلة: لعبٌ بالنار، ونَخْرٌ في جسد مُنهك أصلا، جسدٌ يعاني طعنات مؤلمة من عدو ظاهر، وصديق غافل، وحليف متكاسل، وخطره لا يقل عن الضربات الحديدية للعدو، إذ إن أصحابه «من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا»!!


التعليقات