صمت القضاة على التعديلات الدستورية!!

لم يكن صمت القضاة على بعض الوقائع المتعلقة بالحياة القانونية في مصر عموما مفاجئًا، وذلك أنه جرى تجريف هذا المرفق – أو كاد – منذ فترة طويلة بداية من الاعتداء على الفقيه القانوني ومؤسس مجلس الدولة المصري ورئيسه وأبو القانون المدني العربي الدكتور عبد الرازق السنهوري، الذي تم الاعتداء عليه بمكتبه في 29/03/1954م نظرا لمواقفه التي تؤيد الحريات في مصر ما بعد انقلاب يوليو، وتقديمه لمشروع دستور متفرد، يكون فيه استقلال القضاء عن السلطتين التشريعية والتنفيذية وحماية هذا المطلب من أهم سماته، كما تكون السلطة القضائية حاكمة وفاصلة بين السلطتين باعتبارها السلطة القانونية في الدولة، والبعيدة عن أي ممارسة سياسية.

ثم جاء تتويج محاولة العسكر السيطرة على السلطة القضائية وتدجينها بإنشاء تنظيم سري بين القضاة الموالين لعبد الناصر، الذين كانوا يكتبون التقارير في القضاة الشرفاء…

فكان الاعتداء عليه رسالة لكل قاض وقانوني يحاول أن يسير في هذا الاتجاه، فضلا تحديد إقامته ومنعه من السفر، ومرورا بإلغاء المحاكم الشرعية بقضية أخلاقية ملفقة للشيخين القاضيين عبد القادر الفيل وعبد الفتاح سيف سنة 1955م.

ثم بتطاول الصحف على أحكام القضاة بتوجيه من السلطة القائمة.

ثم جاء تتويج محاولة العسكر السيطرة على السلطة القضائية وتدجينها بإنشاء تنظيم سري بين القضاة الموالين لعبد الناصر، الذين كانوا يكتبون التقارير في القضاة الشرفاء، إلى أن أصدر عبد الناصر في 31/08/1969م قراره بعزل أكثر من 200 قاضٍ على رأسهم رئيس محكمة النقض وأكثر من نصف مستشاريها، فيما عُرف بمذبحة القضاة، وأنشأ المحكمة العليا (الدستورية) التي كان هدفها الأول في تلك الفترة أن تسحب بعض صلاحيات محكمة النقض، وتكون أعلى مرتبة منها، كما هدف إلى أن تكون تحت السيطرة بطريقة تعيين بعض أعضائها على الأقل.

ومرورا بإنشاء السادات لمحكمة القيم ومحكمة العيب نتيجة لانتقاد بعض القضاة لفكرة السادات، ولا يخفى ما حصل في عهد مبارك من اعتداءات وتضييقات على القضاة.

ولهذا تجد المواقف المتناقضة بين (ثورة) القضاة على محمد مرسي، وصمتهم المخجل على التعديلات الدستورية الشاذة التي يريد النظام تمريرها..

فضلا عن ذلك فقد حاولت سلطة العسكر التوغل في المرفق القضائي وذلك بالسماح بشكل مريب ومتواتر من تحول ضباط الشرطة إلى قضاة، بما يمكن أن يقال عليه سيطرة رجال السلطة مباشرة على مرفق القضاء، ومن ثم محاولات منع تدفق أي دماء جديدة للقضاء بقصر التعيين على أبناء القضاة، والتضييق على من بخارج هذا المرفق للالتحاق به، وعلانية هذا الاتجاه الذي كان يجري في الخفاء منذ فترة، فتحول إلى (رأي) واتجاه له أنصاره!!

إن ما يشهده المرفق القضائي حاليا هو (ثمرة الحنظل) التي تم زرعها وريها منذ انقلاب يوليو 1952م، ولا عجب أن يكون المرفق القضائي أداة من أدوات تركيع الشعب وسيطرة العسكر على المفصل الأخير الذي يلوذ به كل مظلوم للحصول على حقه.

ولهذا تجد المواقف المتناقضة بين (ثورة) القضاة على محمد مرسي، وصمتهم المخجل على التعديلات الدستورية الشاذة التي يريد النظام تمريرها، فضلا عن استعماله أداة (قانونية) للقمع بأحكام فاجرة لن ينساها التاريخ لهذه الحقبة المظلمة.

فأصبح حكم القضاء وبارودة الشرطي صِنوان بيد السلطة في مصر يتم إطلاقها على من تشاء، ويتم تمرير مشروعاتها الدستورية والقانونية بمباركة رجال القضاء وفقهاء القانون الذين تربوا على أعين تلك السلطة، ومن خرج منهم عن هذا السياق يتم التضييق عليه ومحاربته، ووضعه في المنطقة العمياء والمظلمة تمهيدا للانقضاض عليه.


التعليقات