عندما تتحدث عن الاتجاهات الإسلامية المعاصرة تجد أنها تنقسم لجماعات علمية، تنظر إلى التأليف والتصنيف وتمحيض العلم، وإلى جماعات عملية تعتبر الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو أولى أولوياتها، وفي الحقيقة أنا أفترض عدم الغلو في الاتجاهين إفراطا وتفريطا، لكنه حتى على اعتبار هذا الأصل فثم إشكالية في هذا التصنيف.
إن الفصام النكد بين جناحي الإصلاح هو في الحقيقة سبب تخلف هذه الأمة، فضلا عما يعتري كل جناح من مخالفات علمية وعملية تحتاج إلى رأب وإصلاح
إذ لو كان هذا الاختلاف من باب التنوع وتقسيم العمل فلا بأس، لكن الإشكالية أن كلا يتموضوع حول اتجاهه، ويعتبره السبيل الوحيد، ولا سبيل سواه، وينكر على إخوانه، ولا يعدم أدلة للتأكيد على صحة اتجاهه هذا، ورحم الله علماء الأمة الذين كانوا يجمعون بين الاتجاهين العلمي والعملي جميعا، فلا انفصام ولا تخاصم، والأمثلة على ذلك لا تحصى…
فهذا برهان الدين إبراهيم بن عمر البقاعي المتوفى سنة 885هـ قد وضع مقدمة في علمي العروض والقافية سنة 884هـ في مخيم جيش المسلمين أثناء حصارهم لجزيرة رودس بعد أن زادت هجماتهم على قوافل الحجاج والتُّجار الذين يمرون بالقرب من الجزيرة المذكورة…
ولعله لو كان في عصرنا لقال فريق: يا عم عَروض إيه وقوافي إيه! والحُجّاج يختطفون ويقتلون، ويتم الاعتداء على التجار، دعوا عنكم هذا الهراء والسفاسف، وتمسكوا بما ينفع الأمة ويخرجها من عثرتها!
ويقول الفريق الآخر: العلم! وبالعلم فقط نبدأ الطريق وتثبت العزة للأمة، ونستطيع التخلص مما أطبق عليها من تداعي الأمم عليها، فضلا عن أننا في مرحلة استضعاف، ولا نستطيع المواجهة، ولا سبيل لرفع شأن الأمة إلا بما ارتفع بها أولها، وهو العلم والتفقه وتصحيح المفاهيم، وإنكار البدع والمنكرات.
إن الفصام النكد بين جناحي الإصلاح هو في الحقيقة سبب تخلف هذه الأمة، فضلا عما يعتري كل جناح من مخالفات علمية وعملية تحتاج إلى رأب وإصلاح، لكن الطريق يبدأ بالاعتراف المتبادل، وبأنه لا نهضة ولا (تحليق) إلا بجناحين، ولن يقوى أحدهما على رفع جسد الأمة المثقل!
التعليقات