الحضارات القلقة والحضارات الهادئة… والحضارة الإسلامية

تتميز الحضارات القلقة بأنها دائمة التوسع وزيادة رقعتها، ولا تعرف حدودا للوقوف أو الهدوء، ومن أمثلتها حضارة التتر، وفي العصر الحديث حضارة الدولة النازية في ألمانيا… وحتى عندما تقوم تلك الحضارة بالبناء لخدمة التوسع فإن هذه السمات المستقرة تكون تابعة للقلق الحضاري، يوجد بوجودها ويزول بزوالها.

تجمع الحضارة الإسلامية بين القلق الحضاري الذي يميل إلى التوسع لنشر العقيدة، وفي نفس الوقت تتميز داخليا بأنها حضارة هادئة مستقرة

وهذا النوع من الحضارات بالرغم من توسعه الجغرافي الكبير في فترات صغيرة نسبيا؛ إلا أنه غالبا ما يفقد أصله، ويندثر بالكلية إذا تمت مواجهته بقوة أكبر، أو حضارة أكثر استقرارا.

بينما الحضارات المستقرة فبالرغم من أنها لا تميل إلى التوسع الجغرافي، وتكوين الإمبراطوريات الكبرى؛ إلا أن هذه الحضارة يكتب لها البقاء غالبا والديمومة، ولا تندثر بسهولة، ومثالها الحضارات القائمة على الزراعة كالحضارة المصرية القديمة.

غير أنك عندما تدرس تلك الحضارة العبقرية، الحضارة الإسلامية، تعجز عن تصنيفها على أي من التصنيفين السابقين، فهي حضارة تجمع بين القلق الحضاري الذي يميل إلى التوسع لنشر العقيدة، وفي نفس الوقت تتميز داخليا بأنها حضارة هادئة مستقرة، واستقرارها ليس تابعا لقلقها، فحتى عندما يتناحر أصحاب السلطة، ويتقاتلون، ويكر أحدهم على الباقين فإن الحضارة الهادئة لا تندثر، وتضرب بجذورها، ويتعاقب عليها القادة أصحاب الفكر القلق التوسعي.

ولا شك في أن قيام الحضارة الإسلامية على العقيدة والفقه الإسلامي الشريف قد أثر في هذا الظهور العبقري، غير أن العبقرية لا تتوقف فقط على السماوي وتفقهه البشري؛ وإنما يمتد إلى الفقه العمراني والحضاري للشخصية المسلمة، التي نشأت في بيئة قلقة، بيئة شبه الجزيرة العربية، التي تعتمد على البداوة من حيث الأصل، لكنها استطاعت أن تستوعب الحضارات المستقرة الهادئة بأنواعها المختلفة، كحضارة النيل، والعراق، وآسيا الصغرى، ونحوها، فشكلت نموذجا فريدا من الحضارات التي امتزجت فيه الفكرتان، وتكاملتا، ولم تطغ أحدهما على الأخرى، واستعملت كل واحدة منهما في مكانها، فأنتجت حضارة باقية إلى يوم الدين.

ولهذا فيمكننا أن نقسم الحضارات على هذا التصنيف إلى حضارات قلقة وحضارات هادئة، وحضارة إسلامية.


التعليقات