لفترات طويلة حرص الجميع دوليا وإقليميا على ألا تظهر راية إسلامية تدير الصراع في فلسطين ضد الصهيونية وحلفائها، خاصة وأن الصراع هناك يحمل سلاحه بمعطيات الواقع دائما. لكن قدر الله الغالب أظهر للجميع ما يكرهون، فظهر الجهاد الإسلامي وحماس وغيرهما، وإن كانت حماس قد سيطرت على واجهة المشهد، كما سيطرت على قوة الأرض.
لحماس عندي قدر من العذر، لا كله، في أصل الاضطرار إلى شيء من التراجع الواقعي، لا في صفة التراجع الحالي كما يؤدونه.
وتعامل الجميع مع الواقع المفروض، تعامل الأعداء – ولو في ثوب تعامل الأصدقاء -، مرورا بسلطة عرفات، والحسم، والربيع، ثم موجة الاستبداد المضادة للحرية عامة، وللإسلاميين خاصة، ولحماس بالأخص.
بل طالت المدة واتسعت الموجة المضادة للإسلاميين، حتى وصلنا إلى محاولة الانقلاب في تركيا، والحصار الحالي على قطر. فضلا عن تراجع الحالة الإسلامية ذات الصلة الوثيقة في مصر، والحالة الثورية التي دعمها مشعل في سوريا.
فدخلت حماس – بعد تربص مرهق لوقت طويل نسبيا – في محاولة التراجع، مسايرة لموجة الانكسارات، على أمل ألا تنكسر فيها عنقها، وكل أملها.. كسب وقت، وتقليل خسائر، وتربص فرصة. فغيرت من الوجوه، وغيرت من الخطاب، وغيرت من المواقف.
ولا يفوتنا هنا أمران هامان:
أولهما: أن حماس ممن يعتمدون سياسة الاستمرار والتطوير، مع تجنب القفزات أو الصدامات المدمرة، وهذا فارق جوهري بينهم – في حساباتهم – وبين كثير من الحركات الإسلامية المجاهدة الأخرى.
ثانيهما: استشهاد عدد كبير من القيادات العليا بحماس، ممن كانوا يحسبون من أصحاب القرارات الأكثر صداما، والأقل تعايشا، كياسين والرنتيسي وصيام وريان… في عدد من إخوانهم وأشباههم، مما يؤثر على القرار في حماس، ولو إلى حين.
إن أمتنا تمر بمرحلة فرز هامة، على جميع مستوياتها، من القيادة وحتى مجموع الأمة، ومرورا بالحركات والأفكار والمواقف. ليست الأكثر قسوة، لكن لعلها تكون الأكثر تأهيلا ونفعا
فلحماس عندي قدر من العذر، لا كله، في أصل الاضطرار إلى شيء من التراجع الواقعي، لا في صفة التراجع الحالي كما يؤدونه. وإذا كانوا يعلمون أن خصومهم يريدون فلسطين بدون حماس، ويضطرونها لأضيق السبل حتى يأكلوها قطعة قطعة، فإننا نرجو أن نرى في الغد القريب قفزة تمحو أخلال هذه المرحلة، عمادها أمران:
أولهما: تغير إقليمي، يغير المعادلة الضاغطة على حماس، ليمنحها فرصة نادرة للقفز إلى الأمام مرة أخرى، بما يحفظ لها المكتسبات، بل يزيدها.
ثانيهما: قادة قساميون، لم يأخذوا فرصتهم الكافية في القرار، بسبب ضغوط خارج، واعتبارات داخل، وهم أكثر استعدادا للمغامرة والتضحية لتحقيق قفزات إيجابية في الواقع.
وختاما.. إن أمتنا تمر بمرحلة فرز هامة، على جميع مستوياتها، من القيادة وحتى مجموع الأمة، ومرورا بالحركات والأفكار والمواقف. ليست الأكثر قسوة، لكن لعلها تكون الأكثر تأهيلا ونفعا، والموفق من اختاره الله ووفقه لمرضاته.
التعليقات