لا، لأنها أولا من جنس (العاديات) لا (العباديات)، والتوقيف مختص بالعباديات التي لا يعقل الناس منها غير معنى التعبد المحض، فالأصل فيها المنع إلا بدليل ينقلها إلى حيز المشروعية. بخلاف العاديات التي يعقل الناس مصالحها الدنيوية، ويقصدونها لأجلها، فإنها وإن شرع التعبد بها لله أيضا، لكن الأصل فيها الإباحة، ولا يصار إلى منع شيء منها إلا بدليل .
ثم إن الإباحة التي يستوي فيها الفعل والترك إنما تكون باعتبار الأصل، ثم تؤثر عليها المقاصد والمآلات، فيكون للوسائل أحكام المقاصد. ويكون للوسيلة التي تعينت في أحد الظروف حكما لا يكون لغيرها مما له في واقعه بدائل أخرى، فلا يكفي النظر لها وحدها في الحكم عليها في كل مرة.
وكثيرا ما تتداخل أسباب الطلب الشرعي مع أسباب المنع الشرعي في الفعل الواحد، من جهتين مختلفتين في النظر، لكنهما متلازمتان في الواقع المعين. فنكون أمام موضع من مواضع التعارض والترجيح، والتي تحتاج إلى اجتهاد قائم على رسوخ في العلم بما يقدمه الشرع من المصالح في المواضع المختلفة، مع تمييز لمعطيات الواقع محل الفتوى، ليتم إنزال الحكم على مناطه الصحيح.
بل كيف يدعى في وسائل التغيير القول بتوقيفيتها، مع تسميتها (وسائل)؟ وهل قال أحد من أهل العلم بأن وسائل العلم توقيفية؟ وهل يتخيل أن يقول أحد من العقلاء إن وسائل الجهاد توقيفية؟ إلى آخر ما يمكن أن يدخل تحت اسم وسائل التغيير.
وأسئلة أخرى لا تغيب: هل كل دعوة تقوم يلزمها أن تمر بمرحلتي السرية والجهرية؟ وهل يلزمها الوقت الذي قضاه النبي – صلى الله عليه وسلم – في كل منهما؟ وهل يتعين طريق طلب النصرة الذي سلكه – صلى الله عليه وسلم – للانتقال إلى مرحلة الدولة الإسلامية؟ أم أن هذه كانت ممارسات مرتبطة بواقعها، وتتغير مع تغير الواقع الذي تتعامل معه؟
التعليقات