أصاب بعض المجتمعات المسلمة انحراف في مفهوم الزواج ، تحول فيه روح وحقيقة الزواج من مفهومه الإسلامي إلى صيغة ” كاثوليكية ” حتى وإن حافظ على أطره وظاهر شكله الإسلامي .
هذا التحول أثمر مجموعة من الظواهر الاجتماعية السلبية ، وأثقل المجتمع عامة والمرأة المسلمة خاصة بتقاليد وأعراف مجحفة في حق المرأة . فالمجتمع ينظر إلى الزواج أنه رباط تقدسه الأعراف لا عقد بين طرفين ، يصير به هذا الرباط رباطا أبديا لا ينحل لأي ظرف ، والزوجة زوجة أبدية لا ينفك اسمها عن اسم زوجها بأي حال ، حتى لو كان حال الوفاة . وهذا ما يلقي بظلاله على نظرة المجتمع للأرملة والمطلقة . فالأرملة والمطلقة في وجدان هذا المجتمع معيبة ، أو ينشأ حولها حالة من القداسة الزائفة فلا يقترب منها أحد ، لتكون محرمة على الزواج مرة أخرى . كما أن ثقافة المغالاة في المهور تكون أثرا طبيعيا لهذه العقيدة ، فإن كان للرجل أو المرأة أن يتزوجا في العمر لمرة واحدة ، فلابد أن يكون مهر هذا الزواج أسطوريا ليتناسب مع هذا الحدث ” التاريخي ” وعندها يظهر أثر آخر وهو تأخر سن الزواج حيث يعجز الشباب عن تقديم تلك القرابين في هذه الطقوس الكاثوليكية . وليكون ثمار ذلك فساد مجتمعي عريض يشيخ به المجتمع وينتشر فيه الأمراض ، وتتراكم على عاتقه المشاكل .
إذا نظرنا الى الماضي فإن حياة المسلمين الأول لم تكن على هذا الغرار ، وبيئتهم الاجتماعية لم تعرف هذه الظواهر . بل كانت أقرب إلى السهولة واليسر في أمر الزواج والمهور . والفرق بيننا وبينهم لم يكمن فقط في مدى الالتزام بتعاليم الإسلام في مسألة المهور وغيرها ، بل هي نتاج لتخلف الأمة المسلمة اليوم عن حقيقة دورها في الحياة ووظيفتها على هذه الأرض . لقد كان المسلمون الأوائل يحملون رسالة يبلغونها للبشرية كلها ، وكان سوق الجهاد في حياتهم عامر هذه الروح – روح الجهاد – صبغت المجتمع المسلم بصبغته المميزة التي أثرت في كل جوانب حياته . فعندما كان سوق الجهاد رائج ، والمتنافسون في سبيل الله كثر ، وكتائب الإيمان تجوب الدنيا شرقا وغربا تضيئ بنور الوحي ظلام الجاهلية ، وكان التسابق على الآخرة هو عنوان المرحلة ، فتحت لهؤلاء الدنيا على مصراعيها ، وجاءتهم الغنائم من كل حدب وصوب تكفل لهم حياة الرفاة التي نبذوها .
ومع ثقافة التكافل في هذا المجتمع ، ساهمت هذه الحالة في تبديد الإحساس بالخوف على الذرية في حالة الموت ، فالشهيد يعلم أن أبناءه من بعده مكفولين ، وأن من خلف غازيا في أهله فقد غزا ، فلم التلكؤ عن الشهادة ؟ ولم الخوف على الذرية ؟ فنشأت في هذه البيئة ثقافة أخرى وهي الزهادة في الدنيا وعدم الحرص على الحياة ، وهذه الثقافة كفيلة أن تضمن لهم حياة كريمة عزيزة مفعمة بالتضحية والإقدام والبناء والعمل والتقدم . وهل الذل والعبودية والبلادة إلا نبتة من شجرة الشح والحرص على الحياة وكراهية الموت . ” وما الوهن يا رسول الله ؟ قال : حب الدنيا ، وكراهية الموت ” .
وفي هذه الأجواء – أجواء السباق إلى الشهادة – تبرز لنا ظاهرة زوجات الشهداء . ولأن الحياة في هذه البيئة مفعمة بالحركة ولا تتوقف عند شخص أو حدث فإننا نجد أن الزواج من تلك الأرامل جزء من تفاعل المجتمع مع هذا الواقع . فالمرأة التي يستشهد زوجها ، تتزوج من مجاهد آخر فيستشهد ، وهكذا بكل يسر ، فلا تقف الدنيا عند زوجها الأول . ويصبح أمر الزواج أمرا يسيرا لا معقدا ، تحل معه مشكلة الأرامل والمطلقات ، وييسر فيه المهور ، ويبكر فيه بسن الزواج ، ويصبح به المجتمع أكثر حيوية وشباب وتجدد .
أمة مجاهدة => مردود اقتصادي ( الفيء ) => مجتمع صحي (تكافل) => نظرة مغايرة للمرأة ومفهوم الزواج => نظرة خاصة لحقيقة الحياة (الشهادة ) => أمة مجاهدة . وعندما تكسر هذه الحلقة وتفقد السلسلة أحد أهم عناصرها ، فلا غرو أن تختل هذه المنظومة وتعطب .
عندما نتأمل حياة الصحابة ونجد أن حياتهم الاجتماعية كانت أيسر وأبعد عن تعقيدات تثقل كاهل أصحابها ، فسهولة الزواج وكذا الطلاق كان سمة عندهم ، ومعه لا يصبح خيار الطلاق لمن لا يطيقان أن يكملا حياتهما معا حكما عليهما بالإعدام ، ولا يصبح الزواج بالنسبة للشاب حلم لا يناله إلا بعد أن يكهل ، ولا الطلاق أو الرمل للمرأة نفي لها على هامش الحياة . والله أعلم
التعليقات