أحمد إبراهيم بدير الرفاعي – المحلة الكبرى – الغربية
أحمد إبراهيم الرفاعي – طنطا – الغربية
اتحدت الأسماء وافترقت المصائر .. جمع بينهما سبب الوفاة ، وطريقة الموت ، ونهاية القتل .. وفرق بينهما غايته .
عرفتهما وعاملتهما عن قرب ..
الأول .. سمح الوجه ، يتلألئ الأسارير، رفيع الذوق رحيم بالناس ، ودودا خافض جناحه للمؤمنين ، رقيق الشعور ، ذو نظر وفكر ، شديد على الظالمين ، مجاهد للمجرمين ، صادع بالحق لا يخشى في الله لومة لائم .. دفع من أجل ذلك أربع من سنين عمره قضاها في سجون الطاغيه مبارك.
أما الآخر .. فقد عرفته أيضا .. ضابط أمن الدولة بمكتب المحلة الكبرى، كان يصف نفسه بخبير التعذيب .. كان شديد البطش ، يتلذذ بتعذيب المعارضين ..
حتى أنه عذب أخي أحمد مولانا فكاد يشرف على الموت تحت وطء العذاب .
اعتقل كثيرا من دعاة الحق وألقاهم في غياهب السجون .
قامت الثورة على الطاغية .. كعادته قام البطل المقدام يجالد الطاغوت ، ويدفع العادي ، ويجاهد العدو .. لم يكسره ماعاينه من هول العذاب ، ولا ماعاناه من آلام القهر والإبعاد والغياب .. لم يلن عزمه طوال سنوات السجن ، لم يلجمه عن نصرة الحق شح أو جبن .. فجاد بنفسه لله مقبل غير مدبر .. وارتقى شهيدا الى منازل الشهداء .. كان يعيش معنا في الدنيا وهو من أهل الآخرة ، كانت قدماه تطأ الأرض وروحه تجوب في الملأ الأعلى ..
كانت آخر كلماته يوم أتى لإخوانه – حيث كانوا معتصمين بالعباسية وقد طلبوا منه إحضار طعام – فأتاهم بجبن مالح فعاتبوه ، فرد عليهم قائلا : كلوا ما يليكم ، فوالله إن الوجبة القادمة لفي الجنه ..
رآه بعض اخوانه في المنام فى رؤيا صادقة بها كرامة عجيبة .. رآه وقد أكرمه الله عز وجل ، فلما سأله بم أكرمت ، قال : بجهاد الظالمين ودفعهم .
أما جنازته فقد كانت مهيبة .. ورغم أنها كانت في نصف الليل إلا أن الحضور كان غفيرا غص به “ميدان الشون” الرحيب .
أما الآخر.. فلم يتعظ من هلاك الطاغية ، لم يعتبر من بطش الله بالجبابرة .. لم ير آيات الله الماحقة ، وأقداره الساحقة .. ظن أنها عنه بعيدة ، وأن سلطانه باق لأيام مديدة ..
أكيد قد جاءه خبر الأول .. وكأني أسمعه يقول : ما أتعسه لقد أهلك نفسه ..
لم تمض إلا سنوات بل انها الأيام حتى جاء أمر الله وقدره ، ليلقى المجرم حتفه .. لم تمهله الأيام كثرا حتى لحق بصاحبه وسميه وخصيمه .. لحق به ولكن في طريق مضاد .. لحق به ولكن الى مصير مغاير .. لحق به وقد أمضى حياته صادا عن سبيل الله ، معاديا لأوليائه ، معذبا لأحبائه ، محاربا لدينه .. لم يمنعه من قدر الله سلطة ظل يدافع عنها ، وينافح من أجلها .. لم يغن عنه منصب ما فتئ يظن أنه كافيه ومانعه .
جمعت الأقدار غير ما مرة بين السميين الخصيمين .. فكثيرا ما كان يستدعي الثاني الأول ويحتجزه في أمن الدولة .. حتى كان آخر لقاء بينهما قبل اندلاع الثورة في مصر بأيام .. كان الأول محتجزا في أمن الدولة ، وكانت الثورة التونسية قد اشتعلت .. فقال الأول للثاني : اتق الله في أوليائه ، فوالله إن أجل الله لآت ، ويوم الفرقان على الأبواب قد بات .
اقرأ آيات سورة الأعراف فتبعث من ثنايا الأحرف والآيات صورا ومشاهد حية ، تحيي ذكريات الماضي .. وترسم في الوجدان أحداثا لن تمحوها الأيام ، ومواقف مسطرة في صحائف الأعمال تنشر على رؤوس العباد يوم القيامة .
” أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الأرض كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ماكانوا يعملون . وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون الا بأنفسهم وما يشعرون… ”
” وهذا صراط ربك مستقيما قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون . لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون ” .
وفي هذا نظمت هذه الأبيات .. قطوفا عطرة من سير النبلاء ، وحتوفا بشعة لمصارع الأشقياء ..
> قطوف وحتوف <
جاءَتْ مَنَايَا يخْتَطِفْنَ مِنَ الرِّجَال أَرواحَهم وتَفَرَّقَتْ عِنْدَ المَآل
هذا الى الرِّضْوان يَسْعَى بامتِثَال والحُرُ لمْ يَجْزَعْ اذا نَادَى القِتَال
وخَصِيمُه قَدْ غَرِّهُ عِنْدَ النِزَال سُلْطانُه وغَوتْ به لُجَجُ الضَّلال
حَتَى اذا وَقَفَ الوَرَى يَومَ السُؤَال وتَجَمَّعَتْ تلْكَ الرُفَاتُ من الرِّمَال
وإلى الجِناَنِ مَضَى الشَهيدُ إلى النوال مُسْتَبْشِرا لا يَبْتَغِي عَنْها زَوال
أمَّا الشَّقِيُ فَفِي الجَحِيمِ مع الحُثَال فِي قَعْرِ بُؤسٍ خَالِدَا وَبغَيْر وَال
هذا الحديثُ لمن وَعَى مِنِّي المَقَال أو يَبْتَغِي مِنْ رَبِّه خَيْرَ المَناَل
التعليقات