مازال كثير من فصائل الحركة الاسلامية تعيش في طور الطفولة أو مرحلة المراهقة في نظرتها وتقييمها لنفسها ولغيرها من باقي الحركات الاسلامية .. إنها تمثل حاله تتجسد فيها سذاجة الأطفال .. تثير الإشفاق تارة والإنكار تارة .
التفكير الطفولي هو ذاك التفكير الذي يتخيل صاحبه أنه لكي يحقق ذاته لابد له أن يسقط الآخرين .. ولكي يكون ناجحا لابد أن يكون الباقون فاشلين .. فإذا قام بعمل فهو يحرص دائما أن يدفع كل يد تحاول أن تساعده ويعتبرها انقاصا له وطعنا في قدراته ، ويعتبر الاستغناء عن الغير هو الدليل على كماله وبلوغه .. وقدرته ونبوغه ..
إن التفكير الطفولي يشي أن صاحبه مازال يخطوا خطواته الأولى ، مازال إدراكه للأمور محدودا ، وتصوره للحقائق قاصرا ، وانطواؤه على نفسه غالب ، واتساع قلبه لغيره غائب . فهو يحجر الواسع ، ويحجب عن نفسه وغيره كل نافع . كهذا الأعرابي الذي أراد أن لا تتنزل رحمة الله الا عليه ، ولا يختص بفضله الا هو . ” اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا ” .
أما التفكير الناضج فيدرك أنه ليس لكيان بشري متمايز – سواء كان شخصا أو جماعة أو مؤسسة – أن يقوم بكل شيء منفردا . إنما هو دائما محتاجا مفتقرا لغيره ، ولا يرى في ذلك عيبا أو نقصا .. بل يجعل النجاح قرين التعاون والشراكة .. والتميز في ضم وإضافة طاقة غيره مع طاقته لبلوغ الكمال الإنساني ، وتقليص حيز النقص البشري .
فهو يعي أن الأصل في أي تجربة بشرية إنما يعتريها النقص .. وأن الحكمة من التنوع والتعدد هو تكميل جوانب القصور عن كل كيان .. وأن سنة الحياة مبنية على هذا التكامل .. وأن كل مزية في فرد أو جماعه لابد أن يقابلها ويلازمها في الجانب الآخر عيب لا يجبره إلا غيره .. فالكمال لله وحده ، سبحانه لم يكن له شريك في الملك أو ولي من الذل .. لذا خلق الله من كل شيء زوجين.
وغالبا لا تجتمع القوه والثبات مع الخفة والسرعة ، ولا الاستقرار والاتزان مع الابداع ، ولا المثابرة والانتاج مع النبوغ ، ولا الصلابة والشدة مع المرونة ، ولا الحزم والانضباط مع اللين والاحتواء ، ولا التميز مع الوفرة .. الخ والأمثلة في هذا المجال كثيرة لا يمكن حصرها .
إن أي فصيل إسلامي يتوهم أنه يستطيع على حده أن ينهض بهذه الأمة ، وأنه هو وحده الذي يتوفر فيه شروط النجاح ، وأن تجربته هي وحدها الصحيحة وأن مشروعه هو فقط الناضج والصحيح ، وأنه ليس بحاجة لغيره ولا يستفيد من مجهودات من سواه . بل إن الأمة لا تنتفع إلا بما يقوم به ، وكل المجهودات من دونه كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا ينتفع منها بشيء .
إن أي فصيل يتخيل ذلك فإنه ما يزال يحبوا بهذا التصور .. ومازالت عقلية الأطفال تسيطر عليه في هذا المجال مهما بلغ حجمه وطال عمره .
إن الحقيقة هي ان كل مجهود يقوم به أفراد وجماعات هذه الأمه يصب في مشروع نهضتها .. وأن فصائل الحركة الإسلامية المتعددة يخدم بعضها بعضا . حتى مع انكارهم لهذه الحقيقة وتنصلهم منها .. وأن قوام أمر هذا الدين هو بمجموع مجهوداتها وتضحياتها .. وأن تنوع مشاريعها في حقيقته التناغم ، حتى لو كان ظاهره التصادم .
على الحركة الإسلامية أن تعي أن فكرة تقليص الأمة في محيط الحركة هي فكرة تتصادم مع أصول الشرع ، وبديهيات العقل ، وحقائق الواقع .
إن على الحركة الإسلامية أن تحول مشروعها من مشروع حركة إلى مشروع أمة ، وجهادها من جهاد جماعه الى جهاد أمه .
التعليقات