ولتستبن سبيل المجرمين

” كيد المجرمين وعلاجه في رحاب سورة الاسراء ”

لقد عني القرآن بإيضاح منهج الباطل في التصدي للحق وطريقته في الصد عن سبيل الله ، وفصل ذلك في الايات تفصيلا حتى يفطن لذلك المؤمنون فتتضح معالم طريقهم ويأخذوا حذرهم ،ويعدوا عدتهم ويتأهبوا “وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين ”
وكما بين الوحي طريقة الباطل وأسلوبه ، قدم المعالجه القرآنيه للتعامل مع هذا الاسلوب والوقايه من سبل الضلال ” قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين . يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات الى النور بإذنه ويهديهم الى صراط مستقيم ”

لقد تناولت سورة الاسراء الايات من 73 : 82 هذا الموضوع ، سواء في ايضاح منهج الباطل في صد المؤمنين عن الحق أو في بيان طريقة مواجهة المكر السئ بالمؤمنين خاصة في ظروف الاستضعاف .
ونحن هنا نستعرض هذه الايات ونستقي منها هذه الحقائق ، ونعضدها ببعض ما يوافقها من مواضع اخرى من القرآن .
عند استعراض القرآن نجد أن الباطل له طريقتان في التصدي للحق قد يقد أحدهم على الآخرعلى حسب حسابات الجاهليه .

الطريقة الأولى : هي الجدال بالباطل وطلب المداهنه والتخلي عن المنهج والقيام ” بالمراجعات الفكريه” حتى ينالو رضا الجاهلية ويتصالحوا معها .
وهذه العروض قد تُقدَم في أجواء هادئه او تُقدَم في أجواء العنف والبطش والاستئصال على وقع قرع طبول الحرب أو تحت سياط الجلاد .

الطريقه الثانيه : هو الاخذ ، والبطش ، والارهاب بالباطل ، والسطوه ، والمقاتله والاستئصال من الأرض .
يقول تعالى ” وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا ” هذه هي الخطه الأولى ، فتنة المؤمنين عن دينهم ليذهبوا الى ما يوافق أهواء أهل الباطل ، ويتركوا ما أنزل الله اليهم. ولو فعل المؤمنون ما يهواه أهل الباطل لجعلوهم أحباء لهم وأولياء . انها ” المراجعات الفكريه ” التي هي شرط لقبولهم وادماجهم في المجتمع والتصالح معهم .

” واذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا او بدله “ يونس
” ودوا لو تدهن فيدهنون “ القلم
فالمشكله مع أهل الحق ليست في ذواتهم ، انما في الحق الذي يحملونه ” قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ” الانعام 33

ومع كثرة الاحاح أو حتى بسبب تمني المؤمنين للناس الخير ، كان من الممكن أن يجيبوهم الى بعض ما يريدونه ، لكن تثبيت الله وحده للمؤمنين هو الذي عصمهم من ذلك . ” ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن اليهم شيئا قليلا “ . والا فماذا تنفع محبة المجرمين ورضاهم أمام عذاب الله المضاعف في الدنيا والآخره ، جزاء للركون اليهم وموافقتهم لهم في باطلهم . ” اذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا ” .

وبعد أن فشلت المرحله الأولى من خطة فتنة المؤمنين عن دينهم ،
تأتي المرحله الثانيه منها –
” وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها .. “
انه الاخراج من الأرض سواء بالإجلاء عنها أو السجن فيها أو حتى الإقصاء من الحياة كلها بالقتل . ” وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ” الانفال 3
” وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا”
الحج 72
لكن الحقيقه التي يجهلها المجرمون أنهم إن أقدموا على فعلتهم تلك لم يلبثوا في الارض بعد إخراج المؤمنين منها الا قليلا حتى تحل بهم العقوبه . فهي سنة الله التي لا تتحول ولا تتبدل في كل الأمم ، والتاريخ القريب والبعيد خير شاهد .
” وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا ” .

لقد بين القرىن اسلوب الباطل في التعامل مع أهل الحق في غير ما موضع ، ليتضح للمؤمنين في كل زمان وفي كل أرض هذه الحقيقه فيتأهبوا لها ، فلا تدخل عليهم ألاعيب المجرمين وكيدهم .
” كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب ” غافر 5
” وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ” ابراهيم 13
” ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ” البقره 217
” قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا قال أولو كنا كارهين ” الأعراف 88
أي أتطلبون منا أن نترك ديننا ونتبعكم على ما أنتم عليه ، حتى مع كراهتنا لعلمنا ببطلانه ، فهو أمر عجيب إذ لا يدعى الى شئ الا من له رغبة فيه . لكن الجاهلية تريد منك أن تؤمن بالباطل حتى مع وضوحه ، لا اقتناعا به بل لتلافي عواقب رده . وكان جواب المؤمنين ” قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد اذ نجانا الله منها ” . لا يكون لنا الانصراف لملتكم ففي ذلك افتراء منا على الله وشهادة ببطلان ما كنا عليه من الحق مما جاءنا من عنده .

وبعد هذه الجولة في بيان سبيل المجرمين ، تأتي الآيات بالعلاج القرآني والوقاية من كيد المجرمين والتحصين من مكرهم .. تأتي الآيات لتوجيه المؤمنين الى واجبات عمليه تثبتهم على الحق في أوقات الشده أو أجواء الاستضعاف .
فأمام المساومات المستمره والضغوط المتواليه ، لا يكون الثبات على الحق والعصمه من مداهنة الظالمين والركون اليهم ، الا بالاستعانه بالصبر والصلاة ، وحسن التعبد له سبحانه ، ودوام الصله بكتابه ن والالتجاء بالدعاء اليه ، وكمال التوكل عليه ، مع الثقة التامه في تحقق وعده وقرب نصره .
انها الصلاة وحسن التعبد ، ودوام الصلة بالقرآن ” أقم الصلاة لدلوك الشمس الى غسق الليل وقرآن الفجر ان قرآن الفجر كان مشهودا . ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ” .
ثم يأتي الدعاء واللجوء الى الله وتفويض الأمر اليه ” وقل رب ادخلني مدخل صدق واخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا ” .
وختاما الثقه التامه بنصر الله للمؤمنين وعلو الحق وأهله ” وقل جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا “ .
وكذلك في سورة هود ، وبعد ان جاء الأمر بالاستقامه على الدين ، والثبات على الحق ، والنهي عن الفساد في الأرض ، وعدم الركون الى الظالمين الذين لن ينصروهم من بأس الله ان جاء ، جاء التوجيه الرباني بإقامة الصلاة والصبر ” فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغو انه بما تعملون بصير . ولا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار ومالكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون . وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل ان الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين . زاصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ” هود 112-115

أما في سورة يونس فإنه يتجسد لنا التطبيق العملي والانزال الواقعي لهذا المنهج ، وذلك فيما أُوحي الى موسى وهارون عليهما السلام عند مواجهتهما لبطش فرعون ولكي يستقيما على أمر الله ولا يتبعان سبيل الذين لا يعلمون ، أن يجعلا بيوتهم مساجد ويقيموا الصلاه ، وما وصى به موسى قومه من التوكل على الله ثم فزعهم اليه بالدعاء . ” وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ونجنا برحمتك من القوم الكافرين . وأوحينا الى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيمواالصلاة وبشر المؤمنين . وقال موسى ربنا انك آتيت فرعون وملأه زينة واموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلايؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم . قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون ” يونس 84-89 .
ويظل القرآن نبراسا للمؤمنين في طريقهم ، ونورا يضئ لهم سبيلهم وشفاء لما في الصدور ، وهداية للسالكين في درب الحياه ، وهاديا للمهاجرين الى الله .
” وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خسارا ” الإسراء 82


التعليقات