المهاجر في سبيل الله.. هذا الذي ترك دياره وأرضه وماله ودنياه كلها، هذا الذي ساح في أرض غريبة وصار بين أناس غرباء، وحيدا لا ناصر له ولا ولي، ولا صديق ولا حميم..
هذا المهاجر لما فارق مختارا كل أسباب المتعة والسعي في سبيل الله أخلفه الله ما ترك من أجله، وجعل له عوضا عما فاته، وتكفل سبحانه له بالحماية والمتعة، وأفاض عليه النعم وفتح له أسبابها، “وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً”.
فطال الخير من أوسع أبواب ما يظن الناس أنه سبيل لفواته، وحصل في دنياه بالهجرة ما يحسبه الجاهل إفساد لها. فعجيب أمر هذا الذي كلما فر من الدنيا لحقت به، حتى أتته وهي صاغرة.
ولكن الله الشكور الكريم، “وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ (41) الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ”. “لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ”. لهذا قال الله حاكيا عن أبي الأنبياء، وأول المهاجرين الخليل عليه السلام “وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ”.
أما وإن أدرك أخي المهاجر أجل الله قبل أن ينال ثواب الدنيا، بل حتى قبل أن يبلغ هو مراده وغايته وأرض هجرته فأجره محفوظ كامل عند الله، لن يكافئه عليه إلا هو، “وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ”. “وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58) لَيُدْخِلَنَّهُم مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ”.
ما من غازية أو سرية تغزو فتغنم وتسلم، إلا كانوا قد تعجلوا ثلثي أجرهم، وما من غازية أو سرية تغزو، فتخفق أو تصاب، إلا تم لهم أجرهم.
التعليقات