“إسقاط حي للآيات على واقعنا اليوم”
تمضي بنا آيات سورة القتال لتلقي الضوء على جانب من معركتنا الحالية ، ومشهد من مشاهد الصراع الدائر اليوم.
مشهد هؤلاء الذين علموا الهدي ، وعرفوا دين الله ، وجالوا في علوم الشرعية ، واتشحوا بلباسها ، واتسموا بسمة أهلها ; لكنهم مع ذلك زهدوا فيها ورفضوها ، وتنكسوا طريقها وألقوها خلف ظهروهم واشتروا بها ثمناً قليلاً فلم يعد لهم من الدين الا اسمه ولا من القرآن إلا رسمه.
إن هؤلاء قد غرهم الاماني وزين لهم الشيطان أعمالهم الباطلة وأملهم أن هذ السبيل – سبيل موافقة المجرمين وخذلان المؤمنين – هو سبيل النجاة الوحيد وبه حفظ الانفس والدين !!
لقد رأوا ان الذين انتصبوا لمدافعة الباطل قد غرهم دينهم ،و أن دعاة الحق غرروا بالشباب المسلم فدفعوا الشباب بل الحركة الاسلامية كلها لترتطم بصخرة لن تصدع إلا رأسها. أما هم فإن موافقتهم للمجرمين والوقوف بجوارهم وموالاتهم ما ذاك إلا الفقه والشرع ومنتهي العلم والحكمة لذلك فإنهم “قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ”.
إن حال هؤلاء المنافقين حال قديمة وخيانتهم لله والرسول وللمؤمنين عريقة ، ورقة دينهم وفساد مسلكهم أصيل. وإن كان خافياً على فريق من المؤمنين بل على أكثرهم فكان لابد من هذا الحدث ليظهر الصادق من الكاذب فيفضحهم الله ويكشف حالهم لعباده المؤمنين حتي لا يغتروا بهم “وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ”
إن هؤلاء خسروا كل شيء …. خسروا عندما يهلكون مع أعداء الله الذين يلونهم من دون المؤمنين. فضاعت أعمالهم وحبطت مناهجهم وسياساتهم، فما نفعتهم في دنياهم وكانت وبالاً عليهم في أخراهم.
وخسروا المؤمنين الذين طالما ادعوا أنهم منهم حتي فضحهم الله .. وقد ظنوا أن بمقدورهم الاستمرار علي تلونهم و خداعهم للمؤمنين مع ما يضمرونه لهم من الاضغان و والعداوة:
” أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ”
فلابد أن يظهر ما في قلوبهم ، وتبين بفلتات أسنتهم، فإن الألسن مغارف القلوب.
ولكي يتميز الصادق من الكاذب لابد من الابتلاء بالمحن، ولابد من الابتلاء الأمر الشرعي بالجهاد، فمن صبر وثبت علي الأمر الشرعي والجهاد والمدافعة الظالمين فهو المؤمن حقيقة. “وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ”.
“إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ” فحاربوا أنصار دينه ، وعارضوا تطبيق شريعته وقتلوا وسجنوا من يدعون إليهما… وظنوا أنهم بذلك سيطفئون نور الله ويسقطون لواء دينه للأبد .. إنهم “لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ”. فإن مكرهم سيبور وجهودهم ستذهب هباءً ولن ينفعهم جمعهم ولا قوتهم، ولن يسعفهم جندهم مهما كثروا.. وفي الاخرة تكون هذه الاعمال عليهم حسرة بعد أن غلبوا وتحسروا علي ضياعهم في الدنيا.
اما انتم أيها المؤمنون فلا يشغلنكم كيد المجرمين ولا تستعظموا مكرهم مهما بلغ، فإن الله كافيكموهم . فقط عليكم أن تطيعوا أمر ربكم وامر رسولكم، ومن هذا الامر بالجهاد في سبيل الله، و إياكم أن تبطلوا اعمالكم بما يفسدوا ، ومن ذلك قطعها بعد القيام بها، وعدم الصبر عليها. “يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ” فإياكم أن تضعفوا عن الجهاد وترغبوا في مسالمة عدوكم “فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ” كيف ذلك؟ “وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ” بوعد الله لكم وقيامكم علي شرعه وتأييده ومعيته لكم. أتخافون وترضخون لعدوكم؟؟ “وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ” فيوفيكم جزاءكم في الآخرة كاملاً وثواب الله خير وأبقي ، اما الدنيا فلا قيمة لها فإياكم أن تشغلكم عن الآخرة، وإياكم أن تركنوا إليها وترغبوا في متاعها الزائل
“إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ۚ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ” فالدنيا ما هي إلا دار ابتلاء لتقوموا فيها بما كلفكم به لتنالوا به رحمة الله وتنعموا بجزائه.
وتختتم السورة بهذه النهاية الحاسمة والعظة البليغة والبيان الواضح والحجة الدافعة “هَا أَنْتُمْ هَٰؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ” وقد جاءتكم الفرصة التي انتظرتموها كثيراً وتمنيتم هذه اللحظة التي يتاح لكم أن تجودوا بأرواحكم وأموالكم في سبيل الله.
“فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ” هذا الذي يبخل ويضن بنفسه ويرغب بها عن الله ورسوله فإنه يبخل علي نفسه “وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ” حيث حرمها من ثواب الله وفوت علها الخير كله في الدنيا والآخرة ” وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ” . فالله ليس في حاجة اليكم بل أنتم من تحتاجون إليه في كل أحوالكم . فإن توليتم عن نصرة دينه فأنتم الخاسرون ، وسيأتي الله بأولياءه الذين يحبهم ويحبونه، لينصر بهم دينه ويعلي كلمته” وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ”
والحمد لله رب العالمين
التعليقات