“منهج أهل النفاق في التعامل مع آيات القتال”
ما زلنا مع سورة محمد “سورة القتال” … لكنها هذه المرة تتناول وتعالج نمطاً منحرفاً في التعامل مع الوحي عامةً ، وآيات الجهاد خاصةً. فهي معالجة تحليلية نقدية تربوية لهذا النمط المنحرف الذى يتمثل في طريقة النفاق ومنهج الشقاق.
إن ضعاف الايمان ومن في قلوبهم مرض يتعاملون مع الوحي على مستويين :
الأول : الإعراض عنه وكأنه لم يسمع به ولم يعرف ، حتى من انتسب من هذا الصنف إلى العلم الشرعي. فكم رأينا أناسا يتناولون الكثير من أبواب الفقه دراسة وتدريساً حتى إذا وصلوا إلى باب الجهاد تجاوزوه إلى غيره كأنهم لم يروه !! وكم سمعنا الخطباء تعلوا أصواتهم بـ “كتب عليكم الصيام” ثم لا تجد لـ “كتب عليكم القتال” على منابرهم نصيب !! مع أن الآيتين في نفس الجزء من القرآن !
فهؤلاء وإن جاءتهم الآيات وسمعوها لم تتجاوز آذانهم ، ولم تطرق قلوبهم وعقولهم فكأنهم لم يسمعوها ، لأنهم لم يتلقوها تلقي القبول والانقياد ، فيقولون ماذا قال آنفا لأنهم لم يكن لهم فيه رغبة.
” وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ”
أما أهل العلم الحقيقيون فجاءتهم الآيات شافيةً مبينةً هاديةً ، وتلقوها بالقبول والانقياد لما فيها من أحكام ، فزادهم الله هداية على هدايتهم وأورثهم التقوي ، فحازوا العلم النافع والعمل الصالح.
الثاني : يتثمل في استثقال العمل بما فيه من الآيات ومحاولة إيجاد الحيل المختلفة للتملص من التكليف الشرعي.
تتجلي هذه الصورة عندما ينحسر الواقع عن واجب شرعي واضح وأمر إلهي محكم يحل أوانه ويتحتم إنزاله ، فلم يعد يصبح للتخلف عن الجهاد حجة ، ولا للقعود عن سبيل, وهنا تتخلخل قولب وتزيغ أبصار ضعفاء الايمان ومرضي القلوب ، ويستثقلون العمل كأنهم يساقون إلى الموت سوقا ، مع أنهم لو امتثلوا لأمر الله لكان فيه خير لهم.
“وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ (20) طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ (21)”
التعليقات