“تأملات فى بلاغة الآيات وتجسيدها لصورة القتال”
سورة محمد أو سورة القتال يلامس القارئ وهو يتلوها أجواء المعركة ويعيش فيها روح القتال …. ويستشعر وكأن الحرب قد نشبت ، وكأنه فى ساحة النزال وسط الفريقين .. فريق الإيمان وفريق الطغيان ، فهو يجول بينهما وهما يتواثبان إلى القتال …. وأجواء المكان تدوي بوقع حافر الخيل ، وصلصلة السلاح وصياح الجند.
يستشعر القارئ تلك الاجواء ، وتدب فى قلبه هذه الاحاسيس لأثر أمرين:
الأول : جرس الكلمات وتتابعها ، وتركيبة الجمل وما قبلها ، فتجد فيها السرعة والتسابق ، وتري خلالهما الحركة والتوثب والتدافع …. وكأنك وأنت تتلو الآيات تهرول مسرعا ، وكأن القارئ يسمع مع أنفاسه وهو يتلو صوت صبح العاديات
الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (1) وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (2) ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ (3) فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9)
أما الثاني : فلطبيعة المقابلات التي اتسمت بها السورة … مقابلات بين طرفي القتال ، وصفي النزال …. تأخذ ببصرك ولُبك إلى هذه الجهة تارة ، وإلى الصف المقابل تارةً أخري. وتعيش مع هذه المقابلات وأنت في صف الإيمان أجواء الكر والفر ، وروح التدافع …. جولة لك على الكفار يفتح الله لك فيها ، وجولة لجند الشيطان يقيك الرحمن شرها ومكرها …. وتظل هكذا على امتداد السورة فى تدافع مستمر متلاحق …. تترد أنفاسك بين هجوم ودفاع ، جولة على أرضك وأخري فى ساحة عدوك.
الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ
ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ || وَأَنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ || وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ
إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ || وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ
تناولت المقابلات – بهذه الصورة التدافعية التي تناسب موضوع السورة وروحها – صفات كل الفريقين ( الآيات 1؛2) ، وعاقبة حالهما ومآل أعمالهما في الدنيا والآخرة (الآيات 1؛2؛12) ، وأسباب هذا الصراع والحكمة من التقدير الرباني لشكل العاقبة (الآيات 3؛7؛8) ، وتولى الله للمؤمنين وخذلانه للكافرين (الآيات 10؛11).
بل إن الإمعان في المقابلة يتجلى عند ذكر وصف الجنة التي أُعدت للمتقين ، حيث ذكر فيها الأنهار التي هي لذة للشاربين ، ليعقبها بسقيا الماء الحميم الذي يقطع أمعاء أهل الجحيم”
مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ
التعليقات