إن أحد أبرز الحيل فى الخطاب الشرعى المنحرف الذى يؤصل و يشرعن ولاية الأنظمة الممتنعة عن الشرعية و المحاربة لها و الصادة عن سبيل الله و الموالية لأعدائه , هذه الفتاوى التى تقيس شرعية هذه الحكومات على شرعية إمامة المتغلب .
و قبل أن نناقش هذه الشبهة المتهافتة و التي لولا تلبيس الظالمين بها علي بعض البسطاء لم تكن لترقى لمستوى المناقشة فكان لابد أن نأصل لمسألة انعقاد الولاية الشرعية .
وضع الإسلام شرطين أساسيين لصحة الإمامة الشرعية :
الشرط الأول :
هو قيام هذه الإمامة بحماية الدين وسياسة الدنيا
الشرط الثانى :
هو أختيار الأمة وعقدها البيعة للإمام الشرعى
– الشرط الأول يمثل وظيفة الإمامة الشرعية وجوهر وجودها و حقيقة كنهها
أما الشرط الثانى فيمثل وسيلة انعقادها و ألية قيامها .
لكن العلماء أسقطوا فى بعض الأحيان وعند الضرورة الشرط الثانى , فجوزوا إمامة المتغلب الذى غلب الأمة بالسيف من دون رضاها و فرض نفسه عليها دون إرداتها .
لقد كان تخفف العلماء من الشرط الثانى ” اضطرارا ” دون الشرط الأول لأجل أنه متعلق بوسيلة قيام الولاية للحفاظ على مصالح شرعية أوجب كحقن دماء المسلمين ومنع إراقتها دون نتيجة مستحقة ولا مرجوة أو لغلق أبواب الاقتتال الداخلى الذى قد يؤثر على تأمين الثغور وحركة الجهاد الخارجى .
ومن هنا رأوا أن الأولى تصحيح ولاية المتغلب فى هذه الظروف للقيام بجهاد العدو معه .
أما الشرط الأول فإنه لم يوجد من العلماء من جوز الإخلال به أو يحكم بشرعية ولاية خلت منه , فهو حقيقة الإمامة الشرعية و وظيفتها , بل من أجل هذه الوظيفة شرعت الإمامة فى دين الله , و من دونها لا تكون إمامة أصلا ولا يكون لوجودها قيمة
بل إن تغاضى العلماء عن الشرط الثانى لم يكن إلا للحفاظ على قيام الشرط الأول .
فالعلماء الذين أقروا إمامة من كانت ولاية بالتغلب و القهر , نجدهم يبادرون إلى إسقاط شرعية من يخل بالشرط الأول .
فلما والى الصالح إسماعيل الصلبيين و صالحهم على بعض المواقع و الحصون , و باع لهم السلاح امتنع العز بن عبد السلام عن الخطبة له على المنبر , وكان هذا فى زمانهم إعلان عن خلعه .
فعندنا إمام متغلب لم تسقط شرعيته إلا بعد أن أخل بصيانة الدين و حماية بيضته . و فعل هذا الإمام دليل على التفريق
و عندما حملت الدولة أيام المأمون و من بعده المعتصم و الواثق الناس على القول بخلق القرآن وكان لمنهج الاعتزال فيها مكانا , وتبنت الدولة منهجا بدعيا كاد أن ينحرف بالأمة ويفسد عقيدتها و فى هذا انحراف عن وظيفة الإمام من دور حماية الدين إلى إفساده , فكانت درجة من درجات الإخلال بالشرط الأول تضعف معها شرعية هذه الإمامة بقدر ما فيها من خلل فوجدنا من قام من فضلاء هذه الأمة بواجب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر بالسيف وخرجوا على الخليفة , وقد تزعمهم محمد بن نصر الخزاعى لكن الحركة وئدت فى مهدها وقتل محمد بن نصر وكان الإمام أحمد إذا ذكر عنده ترحم عليه و أثنا عليه خيرا .
قامت دعوة الموحدين فى المغرب على انحرفات عقدية تمس أصول هذا الدين وتنحرف عن الحق , لذا لما لاحت فرصة الثورة عليهم خلعهم القاضى عياض وثار عليهم .
ومن هنا نعلم انحراف وجهل من تعامل مع إمامة المتغلب على أنها أصل من أصول الدين يسقط لأجل واجب و مصلحة , لا أنها حالة غير شرعية لجأ إليها اضطرارا لتحقيق مصلحة القيام بشرائع الدين وشعائره .
فى حين أن بعض العلما كالجوينى وغيره جعل شرعية المتغلب على المحك تسقط حين القدرة على خلعه دون مفسدة أكبر .
التعليقات