التفويض الجديد …. و دلالات المشهد الأخير

التفويض الجديد الذى طلبه قائد الإنقلاب يحمل دلالات خطيرة , و يعطى لنا مؤاشرات على مقدار رسوخ النظام الإنقلابى من عدمه

فقد كان لطلب التفويض الأول بعض الوجهة المنطقية , حيث كان فى فترة فراغ دستورى وغياب كامل للمؤسسات الدستورية (( رئاسة منتخبة – دستور -برلمان )) , وهناك مشهد مسرحى لحالة ثورة ” مصطنعة ” تجعل شرعية ” الشارع ” هى الشرعية المهيمنة
فيصبح طلب زعيم الإنقلاب و وزير الدفاع وقتها – الذى يفتقد أى صفة رسمية تؤهله لإتخاذ قرارات مصيرية – تلبية لنداءات الشعب ” صاحب ” ” الشرعية الثورية ”
أما الأن فإن الظرف الحالى مختلف بشكل كبير , حيث صنع واقع له شكل ” دستورى ” ,و من المفترض وجود مؤسسات يناط بيها إدارة المشهد السياسى و الأمنى .
وهنا يبرز السؤال …. لماذا هذا التفويض الجديد ؟
ألم يتشكل حالة دستورية وتكونت شرعية جديدة ؟! فلم طلب تفويض شعبى ؟
لا أجد مايفسر هذا الحدث إلا أن الإنقلاب رجع القهقرى إلى مربع الأول من مراحله , حيث حالة عدم الرسوخ و فقدان الثبات و الإستقرار, لذا عاد نظام الإنقلاب إلى اجترار أساليبه القديمة لمعالجة حالة الترنح التى يعيشها اليوم .
قد يشغب البعض على هذا التحليل بأن الغرض من هذا التفويض هو إعطاء ضوء أخضر شعبى لمرحلة تصعيد جديدة فيها مزيد بطش وقمع . و السؤال هل بقى فى معدلات التصعيد درجات لم يبلغها النظام فى تصعيده بعد ؟! و لم ظهرت حركات ” شعبية ” تتبنى محاربة الإرهاب فى هذا التوقيت ؟ هل عجزت مؤسسات الدولة عن القيام بمهامها فأوكلتها لكتائب من المرتزقة لتعمل دون قيد قانونى ؟

و ننتقل لزاوية أخرى لمشهد الإنقلاب قد تبدوا فى البداية نقلة بعيدة لكنها لصيقة للحديث السابق
كان حزب النور من المشاركين الأساسيين و الأوائل فى صناعة الإنقلاب , ابتداء من موقفهم فى أحداث الإتحادية الأولى , ثم تبنيهم لمبادرة جبهة الإنقاذ , ثم التحالف معهم , وانتصابهم لمعركة أخونة الدولة , انتهاء بمشهد 3 \ 7 و حضورهم خطاب الإنقلاب الشهير .

لقد كان دور النور مهما لمهندسِِ الإنقلاب حيث أعطى شرعية ” دينية ” ” سلفية ” للإنقلاب
كما أنه برأ الإنقلاب من كونه له بعد عقدى , وأبعد عنه شبهة الحرب على الإسلام
فالإنقلاب لم يكن التيار الإسلامى باعتباره يحمل ويمثل المشروع الإسلامى أو يسعى لتطبيق الدين , و الدليل أن أحد الداعين للوضع الجديد هو فصيل ” إسلامى ” بل و ” أصولى ” لحد بعيد .
لكنه بمجرد إعلان الإنقلاب يلق هذا الشريك ” حزب النور ” إلا التهميش بل سُلت عليه كثير من الأقلام فى الصحافة الرسمية و غير الرسمية , وسُلطت كثير من ألسنة مشاهير الشاشات فى الأبواق الإعلامية لتسطوا على حزب النور وكوادره .
و فجأة تتلاشى هذه النبرة بشكل ملحوظ مع خطاب التفويض الأخير , بل تحسنت صورة الحزب فى الإعلام الرسمى وغير الرسمى , حتى وصل إلى حوار صحفى مع يونس مخيون فى “جريدة الأخبار ” التى يرأس تحريرها ” ياسر رزق ” !!
هنا يقفز للأذهان مرة أخرى مشهد المربع الأول من مرحلة الإنقلاب و عودة الاحتياج لشركاء الأمس ؟ لينفث الروح فى الإنقلاب مرة أخرى خشية دخول مرحلة اختضار .

إن النظام اليوم يبحث عن إعادة بناء شرعية جديدة , بعد تأكل شرعيتة تحت النزيف الإقتصادى المزمن , و طرقات الانفلات الأمنى المتزايد , وتتابع مسلسل الفشل السياسى .
و يضاف إلى ذلك المتغيرات الإقليمية و فقدانه الداعم الرئيسى ” السعودية ” مع تغيير محتمل فى التقييم العالمى و الأمريكى للموقف .

إن رجوع الإنقلاب للمربع الأول يقابله إزدياد قوة الحراك الثورى و فاعليته و تأثيره و إرتفاع روحه المعنوية وعلو سقف طموحاته , وتقديم مساراته المختلفة داخليا وخارجيا . وهذا ما يجعلنا نتوقع تغيرا قريبا فى خارطة الواقع .


التعليقات