الصراع كجزء من النشاط الإنساني مبني على تفاعل معطيات الواقع ، ويؤثر في هذا التفاعل البيئة المحيطة والعوامل المحفزة لتؤدي في النهاية الى النتائج ومخرجات نهائية وعلى غرار معادلات الكيمياء او معادلات الرياضيات فإن باستطاعتنا تحديد نتائج هذا التفاعل او تلك المعادلة بتجميع معطياتها وتطبيق قوانين الحياة والسنة الكونية عليها.
وبهذه الطريقة نستطيع أن نضع معادلة الصراع الحالي
تمايز الصفوف + صفرية المعركة + ظرف موات + استفراغ الوسع ← النتيجة : انتصار الفئة المؤمنة
تفصيل المعادلة
1- تمايز الصفوف
من موجباته ولوازمه ان تجتمع فئة وتتمحور لا لشيء إلا لنصرة الحق ، تقابلها أخري لا تتمحور إلا على شر محض. والحق منصور والباطل زاهق. “بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ“.
فالاجتماع على الحق يستوجب نصرة أهله ” لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق” فهي طائفة منصورة. وكذا الاجتماع على الباطل يستوجب هلاك أهله. “سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ” وكان الامر بعد الأحزاب “اليوم نغزوهم ولا يغزونا“.
وهذا التمايز هو علاقة ما قبل الحسم “فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ….. فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ“.
“لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ” فحين تظهر حقيقة شخصيات المسرحية وتكتمل صورتها هنا ندرك أننا في فصلها الأخير.
والناظر لواقعنا الحالى يلحظ هذا التمايز الواضع الذى يعبر عنها بحالة الاستقطاب ، ويلحظ ايضاً أن شخوص هذا الواقع تبلورت فيه صورتها الأخيرة وحقيقتها النهائية.
2- صفرية المعركة
عندما يصل الصراع الى صراع وجود بين طائفتين ، وأحد هذين الطرفين هو الفئة المؤمنة ، فإن نتيجة المعركة محسومة بنجاة الفئة المؤمنة وهلاك خصومها.”فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ“. “إن تهلك هذه العصابة المؤمنة فلن تُعبد في الأرض” فكان يوم الفرقان.
فالله تكفل بحفظ دينه ، ولما كانت الامة موكل إليها حمل هذا الدين كانت محفوظة بحفظ الله لدينه. “لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك“
3- ظرف موات
حيت تجتمع مقومات النصر وتعمل قوانينه ويتوافق ذلك مع ظرف موات وبيئة مناسبة وفرص سانحة ، فهذا دليل على قرب تحققه وحلول أجله.
“ثُمَّ جِئْتَ على قَدَرٍ يا موسى” “وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ“
النظام العالمي اليوم يمر بمرحلة تفكيك وإعادة بناء ، قوي تتراجع واخري تتقدم ، وهذه تشكل فرصة مناسبة وظرفاً موات للأمة المسلمة ان تظهر كقوة عالمية جديدة ، خاصة مع تزامن هذه الحالة العالمية مع تحرر الامة واستردادها لإرادتها.
4- استفراغ الوسع
فعندما لا يملك المؤمن إلا القتال بنفسه ، وتحريض المؤمنين ، وقام بما يستطيع مما هو في وسعه كف بهذا بأس الكافرين “فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ” فالفاعل الحقيقي والمسبب هو الله “وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى” “إنما عليك النداء وعلينا البلاغ“.
وحتي لو لم يقم بهذا المتاح والمستطاع الكفاية فإن استفراغ الوسع يحقق النتائج المرجوة ولو لم تتناسب مع الأسباب والمقدمات “أوك سقاءك واذكر اسم الله وخمر إناءك واذكر اسم الله ولو أن تعرض عليه عوداً“.
وحيث إن الخذلان والهزيمة والمصاب يكون بالتقصير “قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ” فإن استفراغ الوسع عكس التقصير ونتائجه عكس نتائجه.
وبهذا نكون قد عرضنا لمعادلة الصراع الحائل وفى انتظار نتيجة ملموسة مشاهدة.
نماذج تاريخية
بدر الكبرى
تمايز الصفوف : جيش الإيمان امام جيش الكفر.
صفرية المعركة: ” اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبداً“.
ظرف موات : ” وَلَوْ تَوَاعَدتَّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِن لِّيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً“.
استفراغ الوسع : “شدوا ، والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابراً محتسباً مقبل غير مدبر غلا أدخله الله الجنة“.
الأحزاب
تمايز الصفوف : موقف المنافقين ” وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا” – موقف بني قريظة.
صفرية المعركة : عشرة آلاف مقاتل لإبادة من بالمدينة.
ظرف موات : الريح التي ما تركت خيمة إلا قلعتها ولا قدراً إلا كفأتها.
استفراغ الوسع : حفر الخندق – نعيم بن مسعود.
التعليقات