بين النموذجين المصري والتونسي

1-الحالة الإسلامية في مصر على مستويي الحركة والشعب، أعلى مما يناظرها في تونس. فما قد يعتبر مكسبا في تونس، قد يعتبر خسارة وتراجعا في مصر. فالنقطة لا تعتبر متقدمة أو متراجعة بالنظر إلى ذاتها، إنما بالنظر إلى ما قبلها.

2-المشهد الحالي في كل منهما [التهديد بالاستئصال في مصر، والقبول بالوجود في تونس] لا يعبر عن النهاية التي يتوهمها البعض[استئصال الحركة في مصر، ووجودها مؤثرة ولو بنسبة في تونس]. لكنه يعبر عن مرحلة ما قبل النهاية [الصراع في مصر، والتمرير المؤقت تحت الضغط في تونس]، مما قد لا يتناسب ظاهره بالضرورة مع النهاية المتوهمة [فقد يؤدي الصراع إلى تمكين حقيقي في مصر، والتمرير إلى تهميش بصورة ما في تونس] . وينبغي ألا ننسى أن المشاهد الأولى (بعد سقوط مبارك وبن علي) لم تعبر عما بعدها [فأين الأغلبية الإسلامية حينها مما وصلت إليه الآن فيهما؟].

3-منحنى الحالة الإسلامية في تونس في حقيقته متراجع، فمن الأغلبية إلى الرئيس التوافقي، ثم إلى وصم إخوانهم بالإرهاب، ثم إلى الخروج من الحكومة. والقادم هكذا – إلا أن يشاء الله شيئا – لا يكون إلا الأسوء، واحتمالات حرمانهم من هامش التأثير ليست بعيدة. فمن الخطأ (عندما نقارن حالتنا في مصر بحالتهم في تونس) أن نغفل عن اتجاه سير الحالة.

4-ما يريده أعداؤنا من حركتنا الإسلامية، أن تقنع بممارسة دور صمام الأمان، الذي يتيح للعلمانية أن تحكم بلاد المسلمين، بأقل قدر من الصدام مع أولياء الإسلام الذين لا يمكن استئصالهم. وهذا الدور جريمة ممن يرضى به، لأنه إلغاء للأهداف التي قامت الحركة الإسلامية من أجلها [تجديد الدين، وتحكيم الشريعة، وإقامة الخلافة، وكسر طوق التبعية، وتحرير الثغور، وتوحيد الأمة].

ما يريده أعداؤنا من حركتنا الإسلامية، أن تقنع بممارسة دور صمام الأمان، الذي يتيح للعلمانية أن تحكم بلاد المسلمين

5-منحنى الحالة المصرية في حقيقته متصاعد (مع كل آلام المشهد الحالي)، فمن الأغلبية إلى الرئيس الإسلامي في ظل قدر من التوافق، إلى ثورة إسلامية استعصت على القمع طوال أكثر من ستة أشهر (منذ الانقلاب). إنها ثورة إسلامية برئيسها الذي صمد، وبكتلتها الأساسية التي تمثل عصب الحراك الثوري مع متعاطفيها، وقبل ذلك بمحور الصراع فيها (وقد أفصح الانقلابيون أنفسهم عن ذلك بما لا مزيد عليه).

6-لقد حققنا في ظل الانقلاب مكسبين كبيرين: الأول: تكوين جيل إسلامي يحمل رسالة التغيير، ويضحي من أجلها. الثاني: إشعال حالة من الرفض الشعبي، لا تستسلم للاستبداد، بل تحتضن الفئة التغييرية. [والمقارنة بين الحال في العقد الأخير من حكم مبارك، وبين ما نحن فيه تظهر كمّ المكسب. ولا يخفى أن ما بين الثورتين، كانت مرحلة توفيقية عند الدائرة الإسلامية الأوسع].

7-ولن أتكلم عن إسقاط العلمانيين واليساريين (مدعي الثورية) والفلول (مدعي التوبة أو المظلومية) والمنافقين (مدعي الانتساب للحركة الإسلامية) ، على المستويين المبدئي الأخلاقي من جهة، والواقعي المُعاش من جهة أخرى. فهذا أوضح من أن نتكلم فيه.

8-إن الاستسلام في هذه المرحلة، سيقضي على أهم مكتسباتها، ولن يتيح لنا وجودا مؤثرا – ولو بحدود – ولا آمنا. لسببين: أولهما: المنافقون الذين شاركوا في الانقلاب أو دعموه أو دعموا التعايش معه، سيؤدون دور صمام الأمان. وثانيهما: الخصم الذي عاين دورنا الثوري، لن يطمئن لاستقراره إلا بأكبر درجة استئصالية تجاهنا.

9-إن أهم ما نحتاج إليه في هذه المرحلة، هو رفع راية الشريعة الإسلامية كأوضح ما يمكن. إعلاء للهوية، وجمعا للأمة، وتفريقا بين طرفي الصراع عند الكافة.

10-إذا كان العسكر الانقلابيون يريدون أن يحوزوا الرئاسة، مع علمهم بعدم تحبيذ سادتهم الأمريكان لهذا الخيار، لكنهم يريدون فرضه كأمر واقع بميزان القوة في الداخل. فنحن أولى منهم بتقديم عناصر قوتنا الداخلية (في أمتنا) على عناصر التمرير الخارجي (التي أثبتت قلة قيمتها) ، لنُفرَض كأمر واقع يتعامل معه الخارج.

11-فنحن ننتقل من ثورة ناقصة تصالحت مع بقايا الاستبداد، إلى ثورة كاملة تطهر بلادنا من تلكم البقايا. ومن راية إسلام متوارية خلف التوافقات والمواءمات، إلى راية إسلام واضحة (وإن شاب تطبيقها النقص، باعتبار موروث الفترة الماضية على مستويات الحركة والشعب والدولة).


التعليقات