لماذا ننتظر النصر ؟

سؤال يتردد على ألسنة البعض، على سبيل الاستفهام أحيانا، وعلى سبيل الاستنكار في أكثر الأحيان ..
ومحل الإشكال من جهتين :

الأولى : عند من يغرق في تقدير القوة المادية، وينبطح أمامها، فيرى أن الحركة الإسلامية خاصة والثورية عامة لا تملك من القوة المادية (العسكرية) ما تكافئ به خصمها الانقلابي .

الثانية : عند من يغرق في المثالية الحالمة، فيرى أن الواقع الشعبي العام، وكذلك الإسلامي الخاص، كلاهما يفتقر لمقومات النصر المنشودة، بل فيهما أخلال تسوغ تسليط طاغية الانقلاب عليهما .

والجواب عن الإشكال الأول من خلال النقاط التالية :

1– هناك نوعان من القوانين يحكمان معادلة الصراع وموازين نتائجه، وهما (الإيمانية / المادية) والنظر للثانية دون الأولى خطأ كبير، وكذلك تغليب الثانية على الأولى .

2– وكذلك التعامل مع القوانين المادية، ينسى البعض فيها عنصرين هامين، وهما (العنصر الإنساني / عنصر المقارنة النسبية) فليس السلاح وحده يحسم المعارك، بل ما يتصل بالإنسان فردا ومجموعا له دور أكبر في الحسم. كما أن معطيات ضعف الخصم لا بد أن تدخل في معطيات قوتي، باعتبار أن القوة والضعف يحسبان من خلال مقارنة كل منا بالنسبة للآخر .

3- فقد أثبتت الأحد عشر شهرا الماضية تفوقا لدى الحراك الثوري الإسلامي على المستوى الإنساني (الارتباط بالهدف – الاستعداد للتضحية – قوة الترابط – استمرار المصابرة) .

4 بينما نجد أن زعيم الانقلاب لم يكتف بالانقلاب على خصومه، بل انقلب على كل حلفائه الانقلابيين في الداخل (سياسيو جبهة الإنقاذ – قادة العسكر الذين دعموه [صدقي ينتظر دوره] – أهل المال والإعلام [الذين يفزعون من مطالباته المالية] – رجال المخابرات الذين أداروا المشهد [الاستبعاد بالتصفية أو بالإبعاد عن نطاق النفوذ] – وحتى البلطجية الذين سلط عليهم اليوم أصدقاءهم من الداخلية) وهذا يجعل قائد الانقلاب في أضعف أحواله أمامنا، بل يجعل تفجير الموقف الانقلابي من داخله أمرا واردا .

5– إن المعطيات المادية شاهدة على ضعف بنيان الانقلاب، وعدم قدرته على الاستمرار، لكن المعطيات الإيمانية حين تضاف إليها تشهد بقرب النهاية له، كما تشهد بنصرنا عليه.

6– فإن الواقع الإسلامي قد اكتسب أوسع غلاف شعبي ممكن، وارتفعت فيه راية الشريعة ووضحت إسلامية المعركة، وتم تجاوز قيادات سابقة منها العميل ومنها العليل ومنها من هو من أهل الفضل إلا أنه ليس مؤهلا لقيادة مرحلة التغيير الثوري، مع إعلاء للهمّ الأخروي وإحياء لمعاني الشهادة والتضحية، وكسر لحواجز القهر والخوف، بل وتحقيق قدر من الاجتماع الموقفي يقفز فوق الخلاف الفكري .. في سابقة فريدة تستنزل النصر الرباني .

7– ثم إن القفزات لم تكن رأسية (كالمذكور في النقطة السابقة) فقط، بل أفقية أيضا من خلال تفجير ثورات الربيع العربي في القلب والغرب والشمال والجنوب، وهذه تهيئة للمنطقة كلها لاستقبال التغيير، ثم كان آخر ذلك الشرق العراقي الذي جعل المنطقة كلها مهيئة لتغيير كبير لا يقدر الخارج أن يتدخل بالقوة لمنعه .

8– أما البشارات التي بثها الله بقرب نصر الإسلام والمسلمين (رؤى صادقة / يقين في القلوب) فهي كثيرة وعظيمة، وسابقة على ثورات الربيع وتالية، بل كانت ثورات الربيع متضمنة فيها، لكننا كنا لا نتخيل كيف يقع ذلك. فلما أرانا الله أوائل التصديق – مع نقص أسباب الدنيا – ازددنا يقينا بأن تصديق الأواخر آتٍ كالأوائل .

أما الإشكال الثاني فجوابه في النقاط التالية :

1 إن من قرأ السيرة النبوية يعلم أن النقص ملازم للبشر، وإن علت رتبتهم، فلم تخل حياة الصحابة من أشياء لو تصورها بعض هؤلاء لظنوا أنهم غير جديرين بالنصر، وهذا باطل قطعا عند كل مسلم .
2– بل قد استقر عند أهل العلم أن لكل زمان رجال، هم أهل ذلك الزمان، ولو طبق معيار الأزمنة الفاضلة على من جاءوا بعدهم، لما انتصر من المتأخرين جيل، وهذا ممتنع واقعا .
3- ثم إن الفضائل التي أخرجتها محنة الانقلاب بعد منحة الثورة، لا يقدرها قدرها إلا من عايش هذه الأجيال الفريدة في معركتنا الحالية، دون من هو بمعزل عن ذلك .. وليس من سمع كمن رأى .
أخيرا .. إننا أمام مشهد ما قبل النهاية، فيظهر الله آخر ما عند أطراف الصراع، ليستحق كلٌّ مكانه الأخير .. في لحظة نصر أهل الحق .. ولعل ذلك يكون قريبا


التعليقات