في ظل نزاع ليس هو بالعسكري، كما أنه ليس بالسياسي، فضلا عن كونه ليس بالقانوني .. إنما هو شيء أكبر في حقيقته من كل مفردة سابقة، يجري الآن على أرض مصر، كيف يمكن أن نفهم مئات الأحكام القضائية بالإعدام في زمن قياسي بكل المعايير؟
إن هذه الأحكام مع كونها أحكاما ابتدائية، إلا أنها تمثل إفراطا في التهديد، أو إفراطا في العنف. وإذا صدر هذا الإفراط من طرف في صراع، فإن ذلك لا يعبر أبدا عن قوة كبيرة، فضلا عن أن تكون مسيطرة أو مستقرة.
ومن ناحية السياق الظرفي الذي يعد من أبرز معالمه التأخر المفرط للسيسي في ترك وزارة الدفاع ليترشح لرئاسة الجمهورية، لا يمكن أن تفهم تلكم الأحكام بعيدا عن محاولة استكمال تهيئة المكان للنقلة الرئاسية.
فهناك انسحاب للمنافسين الأقوياء، وهناك تغيير في قيادات بالجيش، وهناك ارتماء في حضن العدو الصهيوني على حساب كل شيء، وأحداث سيناء النازفة شاهدة على ذلك تصدق أختها في غزة، وهناك إعداد لقوة عسكرية خاصة لحماية السيسي تحت اسم مكافحة الإرهاب.
وبما أن أحكام الإعدام التي صدرت خاصة بالإسلاميين دون غيرهم، فهذا الإفراط في العدوان موجه نحوهم. ويقصد به ابتداء محاولة كسر إرادة الثائرين في شوارع مصر، قبل تمرير مهزلة الرئاسة بدون منافسة، لتكون أيضا بدون تنغيص وانتقاص من شرعيتها المدعاة.
وهي بهذا مرشحة للزيادة في أعدادها خلال الأيام القادمة، فقد نجد أنفسنا أمام آلاف الأحكام بالإعدام، في سابقة قضائية فريدة من نوعها. كما أن أثرها المطلوب إذا لم يتحقق، فلم تنكسر الإرادات للتهديد بالإعدام، كما لم تنكسر للتهديد بالقتل من قبل، فهي مرشحة لبداية التطبيق.
قد يكون التطبيق النهائي لهذه الإعدامات، أو حتى ما سيراد إنفاذه منها، قد يكون مؤجلا لما بعد الرئاسة، ليكون تمكينا لسلطانها، وكسرا حقيقيا لخصومها. إلا أن ذلك لا يمنع من تعديل جدولها الزمني، لتجاوز المرحلة الأخطر حاليا، وهي مرحلة الوصول إلى الرئاسة.
لكن الحالة المتفجرة حاليا في الجامعات والشوارع، وقودها آلاف الشهداء. كما أن البداية في الإعدامات، تحوّل كل رافضي الانقلاب إلى شهداء، وإن كان لكل دوره. وهذان المعطيان كفيلان بإخراج الأحداث عن أي سيطرة، مما يهدد فكرة وصول السيسي للرئاسة من خلال القوة العسكرية الباطشة.
إننا ندرك أن هناك من يريد التخلص من السيسي بجرائمه، كما تم التخلص من د.مرسي بأخطائه، لتعود الأوضاع إلى ما قبل ثورة يناير. ومثل هذه المؤامرات تستغل الجرائم الحالية، لتجعل التخلص من رئاسة السيسي هدفا وحيدا للحراك الثوري، ولتطوي أهدافنا الكبرى القائمة على تكريس مكتسبات ثورة يناير ونصرة شريعة الإسلام والقصاص ممن خاضوا في الدماء والحرمات بغير حق.
لذا لا بد أن يستمر تأكيدنا على إسلامية ثورتنا، وشرعية أهدافنا، ووفائنا لدماء شهدائنا، وانتمائنا لأمتنا. وإن خطأ الاكتفاء بتنحي مبارك إثر ثورة يناير، لن يتكرر في ثورتنا الحالية، بعد أن دفعنا الثمن الغالي فيها مقابل ذلك الخطأ وما جاوره.
التعليقات