لا ثورة بلا تطهير

كلما امتد الصراع في مصر بين الإسلاميين الذين يمثلون ثورتها، وبين الانقلاب العلمان/يساري الذي توّج الثورة المضادة، وجدنا أنفسنا في حاجة إلى التذكير ببعض القضايا الأساسية التي نحتاج إلى إشاعة العلم بها. وعلى رأس ذلك أن الثورة في حقيقتها فعل تغييري ضد واقع مرفوض، وبناء على ذلك

تتأكد حقيقتين هامتين :

الأولى : شمول التغيير لكل أركان الواقع المرفوض

والتي كانت تحمي وجوده. وهذا بالبداهة ليس قاصرا على القوى السياسية، بل تأتي هنا القوي الاقتصادية، والإعلامية، والعسكرية، بل والقوى الدينية المنحرفة أيضا. إذ أن كل ما مثل قوة داعمة للباطل، فهو هدف مشروع للتغيير الثوري.

الثانية : طبيعة العلاقة مع هذه الأركان

من جهة الثائرين لا بد أن تقوم على الصراع لا التعايش، مع أن التطهير الفعلي لها كلها قد لا يكون مناسبا في وقت واحد. لكن المقصود بالكلام هنا هو منطلق التعامل، وليس الآلية التنفيذية لذلك المنطلق. وإن كنا لا نغفل أثر كل منطلق على آليات تنفيذه.

بين الإسلاميين وخصومهم :

وإذا كان هناك ما يثير الاندهاش حقا، فهو الفجوة بين الإسلاميين – وهم عماد الثورة في بلادنا – وخصومهم من العلمانيين واليساريين، في إدارة العلاقات من خلال فهم تلكم الحقائق الأساسية. فخصومنا يشملون بعداوتهم كل داعم لتحكيم الشريعة، ويديرون العلاقات المتفاوتة معنا من منطلق قواعد الصراع لا الوفاق.

نتائج خطأ الإسلاميين في إدارة المعركة :

فبالنظر للتجربة المصرية خلال سنوات تشمل ما قبل الثورة والثورة والانقلاب على الثورة، نجد أن التفريط في هذه الحقائق ساعد كل القوى المعادية للثورة على القفز فوق الحدث الثوري، فاستمر لهم وجود مؤثر داخل الساحة الواقعية، حتى وصلوا إلى مرحلة القدرة على الانقلاب كثورة مضادة كاملة.
إن كل مركز لدعم واقع ما قبل الثورة مما لم يتم استهدافه بالتطهير، عاد فكان ركنا من أركان الانقلاب على الثورة. أو عاد يمارس التخذيل ضد الثورة، ويسوّق للاستكانة للطغاة مرة أخرى كسابق عهده.

دور المنحرفين المنسوبين إلى الواقع الإسلامي :

فعلى مستوى الأفراد والقطاعات المنحرفة والمنتسبة زورا إلى الحركة الإسلامية ، والتي أراد لها نظام المخلوع سابقا أن تملأ الفراغ الناشئ عن استهداف القيادات والحركات الإسلامية صاحبة الرسالة التغيرية ، كان أولئك المنحرفون يدجّنون الواقع الإسلامي بطرق شتى . فمن شرعنة النظام المحارب للشريعة ، إلى إشاعة روح الاستسلام للضعف ، إلى خدمة النظام بضرب خصومه الإسلاميين ونزع الشرعية عنهم بأي طريق .
وبعد نجاح الثورة التي أنكرها وخذّل عنها كل هؤلاء ، استثمروا رصيدهم القديم الذي بُني من أيام الاستبداد وحرصوا على أن يفرضوا شراكة في ريادة الواقع الإسلامي ، إذ أنه لم يرفضهم بل آثر الصلح معهم جمعا للكلمة ، فماذا كانت النتيجة ؟
لقد عادوا لممارسة نفس الأدوار القديمة ، بما يتناسب مع الظرف الجديد . وكانت البداية بوسائل التشكيك ونزع الشرعية عن إخوانهم الإسلاميين، والتي لم يتبعها اعتزال للمشهد ، ولا تقديم أو دعم البديل الأكثر إسلامية ، إنما الانحياز إلى جبهة العلمانيين واليساريين ، إمّا قبل الانقلاب أو بعده. في نهاية واضحة ، لا تخفى دلالتها على حقيقة البداية .

موازين القوة بين الحركة الإسلامية والمنحازين لخصومها :

أما التذرع باعتبار موازين القوة في الداخل والخارج، في الاعتذار عن بعض من انتظم في سلك الانقلابيين المذكورين، فلا يصح لما يلي :
أولا : الحركة الإسلامية قامت لأهداف ثورية ضد قوى الداخل والخارج، كإعادة الخلافة التي اجتمعوا على إسقاطها، وتحكيم الشريعة التي حرصوا على تنحيتها، وتوحيد الأمة التي مارسوا تقطيعها، وتحرير المقدسات التي يحتلونها بالسلاح النووي. فمن لم يحمل هذه الأهداف فليس من حركتنا، ومن حملها لم توقفه قوة أعدائه في الداخل والخارج.

ثانيا : إن الضعف لا يصلح عذرا في الانحياز لأعداء الشرع والأمة، بل هذا الفعل لا يوصف إلا بالخيانة. وهل يخون خائن إلا لقوة يتوهمها فيمن ينحاز إليه؟! فمن الأحمق الذي يتورط في خيانة ضد الأقوياء لصالح الضعفاء؟! وراجعوا سجل الخيانة عبر التاريخ، تجدون فيه مصداق ما ذكرناه.

ثالثا : إن وجود قوى مناهضة للمشروع الإسلامي في الداخل والخارج أمر لا يمكن انتظار زواله، فقد وُجد ذلك حتى في زمن النبوة. بل لا يمكن انتظار تبدّل موازين القوة بيننا وبينهم دون قفزات وتضحيات منا، فمن لم يخاطر لن يربح. والمطلوب من معرفة تلك القوى المناهضة حسن إدارة الصراع، واستثمار التفاوتات القائمة والظروف الحالّة، في مواءمات تقدّمنا للأمام وتجعل تغيير الخريطة لصالحنا.

ففي النهاية نقرر ما بدأنا به، كمبدأ عقلي أُضيف إليه رصيد من خبرة الواقع ، لكنه لا زال يحتاج إلى تتويج عملي، نتأهل له الآن ونؤهل الواقع له، وسنحرص عليه مع إسقاط الانقلاب الإجرامي، إنه ..

 ” لا ثورة بلا تطهير “

التعليقات