سؤال مقترح
رأينا في الأونة الأخيرة هجمات عديدة من البلطجية علي المسيرات السلمية في كافة أنحاء البلاد وايقاع القتل والجرح والتنكيل بالمشاركين في تلك المظاهرات بل وتعدي الأمر إلي الاعتداء على النساء فما قول فضيلتكم في ذلك و هل يجوز شرعا التصدي لهم علما بما قد يجره ذلك من دماء وجراحات ؟
وجوب دفع الصائل ولو بقتله
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد ،
فإن بعض المجرمين ، من المنتقصين لدين الإسلام الساخرين من شرائعه ، وحلفاءهم من ذوي الطرح النصراني الطائفي ، ومن سار في ركابهم من المخدوعين بدعوى الاعتراض على سياسات للرئاسة – ومن حقهم هذا الاعتراض – قد أطلقوا تهديدات بالقتل واستخدام السلاح ضد مخالفيهم ، وتواطأت معهم داخلية الفلول وإعلامه .
وكانت بداية ذلك بالاعتداء على بيوت الله ، في سياق تجاوز كل الحرمات . واتسع لينال كل من له سمت الإسلام ، رجلا كان أو امرأة ، بتعد على الأنفس والممتلكات والبيوت .
فمع معارضتنا لكثير من سياسات الرئاسة ، وانتقادنا لها علنا في مواضع كثيرة . إلا أن الحالة الراهنة توجب على المسلم ، عدم مشاركة هؤلاء أو الانتظام في صفوفهم ، بعدما تبينت حقيقتهم .
بل الواجب دفع هؤلاء الصائلين على دين المسلمين ودنياهم بما يقدر عليه ، ولو لم يندفعوا إلا بالقتل وجب قتلهم . ونحن في هذا ندفع الظلم ، ولا نعتدي .
قال – تعالى – : (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) )
قال الإمام الطبري : ” لأنهم انتصروا منهم بحقّ، ومن أخذ حقه ممن وجب ذلك له عليه، ولم يتعد. لم يظلم، فيكون عليه سبيل … والصواب من القول أن يقال: إنه معنيّ به كل منتصر من ظالمه، وأن الآية محكمة”.
فالظالم ينتصر منه ، أيا كان هذا الظالم . والمنتصر لحق لا لوم عليه ، بل اللوم على المعتدي .
و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت إنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي، قَالَ: «فَلا تُعْطِهِ مَالَك» . قَالَ: أَرَأَيْت إنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ: «قَاتِلْهُ» . قَالَ: أَرَأَيْت إنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: «فَأَنْتَ شَهِيدٌ» . قَالَ: أَرَأَيْت إنْ قَتَلْته؟ قَالَ: «هُوَ فِي النَّارِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
فهذا الحديث في العدوان على المال ، فكيف بالعدوان على النفس وهو أعظم .
لذا جاء عند فقهاء الأحناف : “وَيَجِبُ قَتْلُ مَنْ شَهَرَ سَيْفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ” [الدر المختار] وشرحه ابن عابدين في حاشيته بقوله : “أَيْ إنَّمَا يَجِبُ الْقَتْلُ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الضَّرَرِ وَاجِبٌ “.
وعند المالكية جاء تعليل إيجاب القتل في [منح الجليل] : “دَفْعَ الصَّائِلِ عَلَى النَّفْسِ وَالْبُضْعِ وَاجِبٌ … وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ هُنَا وَاجِبًا لِأَنَّ بِهِ يُتَوَصَّلُ إلَى إحْيَاءِ نَفْسِهِ”.
فالقتل ليس هدفا ، لكنه قد تلجأ إليه كوسيلة لحفظ الحياة وحماية الأحياء ، ممن يتعرض لأنفسهم .
ولا ينتظر حتى يوغلوا في الدم الحرام ، بعد أن ظهرت النوايا وصدقتها الأفعال ، بل يبدأ بدفع المعتدين من أهل البغي ، لتقليل الخسائر بقدر الإمكان .
كما جاء عند الشافعية : ولو أحاطوا بنا وعلمنا أنهم يقعون بنا إن لم ندفعهم ، فندفعهم ، فإنا نبيح هذا في دفع الصائل الواحد إذا كان لا يندفع إلا به.” [نهاية المطلب]
والدفع عام لكل من يصول ، إذ هو لمنع أو تقليل شره وإجرامه ، بغض النظر عن طائفته أو انتمائه . فلا طائفية في هذا المبدأ ، ولا ظلم . ولا كلام هنا عن صاحب رأي أو معارض يمارس حقه بسلمية لا عدوان فيها .
كما في الوسيط للغزالي (الشافعي المذهب) : “أما الْمَدْفُوع فَلَا تَفْصِيل فِيهِ عندنَا بل كل مَا يخَاف الْهَلَاك مِنْهُ يُبَاح دَفعه وَلَا ضَمَان فِيهِ لِأَنَّهُ مُسْتَحقّ الدّفع يَسْتَوِي فِيهِ الْمُسلم وَالْكَافِر وَالصَّبِيّ وَالْمَجْنُون والبهيمة” .
وعند الحنابلة في [العمدة] : “ومن عرض له من يريد نفسه أو ماله أو حريمه أو حمل عليه سلاحا أو دخل منزله بغير إذنه فعليه دفعة بأسهل ما يكون أنه يندفع به فإن لم يندفع إلا بقتله فله قتله ولا ضمان عليه وإن قتل الدافع فهو شهيد وعلى قاتله ضمانه.”
ولا شيء على من قتل معتديا على نفسه أو عرضه ، فإن المعتدي هو الظالم ، وهو المتسبب في كل ضرر يقع .
فقد روى البخاري عن عمران بن حصين – رضي الله عنه – أن رجلا عض يد رجل، فنزع يده من فمه، فوقعت ثنيتاه، فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: “يعضُّ أحدكم أخاه كما يعض الفحل. لا دية له”
قال الحافظ ابن حجر في [فتح الباري] : “وفيه دفع الصائل، وأنه إذا لم يمكن الخلاص منه إلا بجناية على نفسه، أو على بعض أعضائه ففعل ذلك به، كان هدرا”.
ولا يحق لأحد أن يطالبنا بالعفو ، لأنا لسنا في موضع العفو ، ففي تفسير القرطبي : ” قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ : ذَكَرَ اللَّهُ الِانْتِصَارَ فِي الْبَغْيِ فِي مَعْرِضِ الْمَدْحِ، وَذَكَرَ الْعَفْوَ عَنِ الْجُرْمِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِي مَعْرِضِ الْمَدْحِ” .
والأمر مرتبط بالأثر الواقعي ، وهوما قرره العلماء ، وعبر عنه الرازي بقوله : “الْعَفْوَ عَلَى قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْعَفْوُ سَبَبًا لِتَسْكِينِ الْفِتْنَةِ وَجِنَايَةِ الْجَانِي وَرُجُوعِهِ عَنْ جِنَايَتِهِ وَالثَّانِي: أَنْ يَصِيرَ الْعَفْوُ سَبَبًا لمزيد جراءة الجاني ولقوة غيظه وغضبه، والآيات فِي الْعَفْوِ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَهَذِهِ الْآيَةُ (وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) مَحْمُولَةٌ عَلَى الْقِسْمِ الثَّانِي”. ولا يخفى ما نحن فيه .
فلكل ما سبق نرى وجوب دفع هؤلاء ولو بقتلهم ، صيانة للأرواح والحرمات ، ومنعا لزيادة الإجرام والفساد . والله أعلى وأعلم .
التعليقات