هل خوض الإسلاميين لمعركة الإنتخابات في ظل المنظومة الجاهلية كان وراءه فائدة ؟ تأملات بعد التجربة المصرية

اختلف أهل الفضل و العلم في جواز ولوج هذا المعترك من باب الضرورة.. و إذا تأملنا فإننا نلحظ أن أغلبيتهم جوزوا هذا.. و هؤلاء المجيزون ممن توفرت فيهم شرطي العلم و التقوى و علم عنهم أخذهم بالعزائم و عدم الترخص في الدين .. و التشبث بالعقيدة السلفية و وضوحها عندهم.. هذا مع اختلاف تياراتهم الحركية .. عبد الرحمن عبدالخالق “سلفي” , عبد المجيد الشاذلي “أهل السنة”.. محمد شاكر الشريف و عبد الرحمن البراك ” جهادي”.. صلاح أبو إسماعيل “إخوان”..صلاح الصاوي “أزهري”.. الخ الخ.. هذه المقدمة أسردها لأخلص منها إلى أصل اخر.. و هو أن جماهير الصالحين من العلماء لا يمكن أن يقعوا في زلة عظمى.. أو يخفى عليهم باطل ظاهر.. و يغيب عنهم حق أبلج.. هم قد يقعون في رأي مرجوح .. لكن اجتماعهم على باطل محض أمر مستبعد.. و هنا أخلص إلى نتيجة أخرى.. وهي الحكمة من الاختلاف في مسائل الاجتهاد.. فبالإضافة إلى أنها من قبيل العبودية باستفراغ الوسع للوصول لمراد الشرع.. و كما أنها تدخل في جانب ابتلاء الناس و اختبارهم الذي هو الحكمة من وجودهم.. فأيضا هي من رحمة الله بالأمة و باب من أبواب السعة التي عبر عنها العلماء بقولهم أن الخلاف رحمة.. و بما أن الراجح عند الأصوليين أن الحق واحد لا يتعدد ( حتى في مسائل الخلاف .. فيها حق و باطل لكن لا يتعين).. يكون تقدير الله لوقوع الرأي المرجوح من الرحمة.. بحيث يكون مفسدة الوقوع في القول المرجوح أقل من المصلحة العملية المترتبة عليه.. فإذا افترضنا أن المشاركة السياسية كانت باطلا.. و اختارها جمهور العلماء.. فقد يكون الحكمة من تقدير ذلك مصلحة أكبر من مفسدة مخالفة الحق في هذه المسألة الاجتهادية.. و يقدر الله بقاء فئة مانعة تقوم بالحفاظ على القيام على هذا الحق في الأمة فيحفظ الدين و يبقى الحق ظاهرا في الأمة ( طبعا هذا بافتراض أن الحق المعين هو المنع في المسألة).. و عندنا في الشرع و الواقع امكانية إتيان الخير الجزئي من أفراد أو أفكار و آراء ليست نقية بالشكل الكامل.. فالتاريخ حدثنا عن انتصارات جزئية من أفراد لم يكونوا على الحق الكامل ” صلاح الدين- -المماليك- العثمانيين” .. “الأشاعرة- المتصوفة”.. بل هذه هي الصفة الغالبة على الحياة .. و الصور النقية كأفراد و مناهج لم تكن إلا كومضات برق لامع في ليل الدنيا الطويل.. أي أن العمل برأي قد يكون مرجوحا .. لا يتنافى مع احتمال ورود الخير من طريقه.. قد يقول قائل الواقع أثبت فشل هذا المسلك خاصة بعد التجربة المصرية و الانقلاب على د مرسي -فك الله أسره و رد إليه سلطانه-.. هذا غير التجارب السابقة في الجزائر و غيرها.. فأقول: لو كان هذا هو ميزان الحق و الباطل و الصواب و الخطأ لقلنا أيضا أن الواقع أثبت فشل الخيار المسلح في التغيير في التجارب الجهادية في الأنظمة العربية على مدار أربعة عقود.. فلم تصل الحركة الاسلامية للحكم.. و بل حتى طالبان انتزعت من الحكم و ذهبت الإمارة الاسلامية -ردها الله في عز- .. و المحاكم في الصومال .. و أنصار الشريعة في عدن الخ الخ.. و في الحقيقة أن كل هذه التجارب كانت خطوات في الطريق للتمكين تقربنا من الهدف و إن لم توصلنا له مباشرة.. فحماس لم يكن لها الاستيلاء على غزة و طرد عصابة فتح إلا بعد فوز بانتخابات أعقبها انقضاض على مفاصل الدولة و طرد فتح بالقوة.. وهكذا عندنا في مصر .. أعطانا و صول د مرسي لكرسي الرئاسة عبر الصناديق مسوغا للصراع مع الطواغيت على حكم مصر باستخدام صور من صور القوة المناسبة لأجواء الصراع.. الخلاصة أن المرونة في استختام الوسائل ضمن ضوابط الشرع يعطيك قدرة على المناورة و التكيف مع بيئات وظروف الصراع المختلفة.. و التفاعل الجيد مع الحدث.. و استثمار مختلف الظروف.. هذا و الله أعلم.

ملحوظة: سأتكلم لاحقا عن قاعدة شرعية مهمة ينبني عليها القول بجواز الممارسة السياسية في هكذا أجواء..


التعليقات