عندما أطلق آخر رؤساء الاتحاد السوفيتي دعوته إلى البيرسترويكا، والتي تعني (إعادة البناء) وكان المقصود إعادة هيكلة النظام السوفيتي الذي ظهرت بوادر انهياره للعيان، لم تكن تلك الدعوة إلا تسريع لعقارب نهاية الاتحاد السوفيتي، فلفظت هذه الدولة العفنة أنفاسها الأخيرة تحت دعوة إعادة البناء…
وسواء أكان جورباتشوف طالبا لمجد أمته، أو عميل للغرب استطاع الوصول إلى أعلى المناصب؛ فإن آلية إعادة البناء واستراتيجيتها هي المؤثر الفعلي في أثر هذه السياسة، فأمثلة إعادة البناء اليابانية والألمانية والماليزية وغيرها ظاهرة لا ينكرها أحد، وعلى هذا فاستحضار أحد النماذج واستبعاد النماذج الأخرى لا يمكن أن يتصف بالحرفية الفكرية أو التنظيرية…
ظهر الخلاف بين بعض الفصائل والأطراف حول الاستراتيجية التي يجب أن يتم اتباعها في الحالة المصرية، وهل يجب أن تنبني على (الهدم والبناء) أم (الإصلاح التدريجي من الداخل)، ويبدو أن أصحاب كل فكرة لم ينظروا بعين الاعتبار لمعطيات الحالة المصرية بقدر استدعائهم لأدبيات وتنظيرات كل طرف التي تربى أفراده عليها، وحارب من أجل إثبات صحتها، وذلك بعد استبعاد الأغراض المخابرتية التي غذت بعض الأطراف بطرق مباشر (عِمالة) أو بطريق غير مباشر (استرقاق ووعود)…
أما وأن الغبار قد انقشع، وظهر من يركب الحمار، ومن يركب الفرس، بل ومن يركب السيسي، ومن يركبه السيسي، فلم يعد الأمر يحتمل خلافا حول (إعادة البناء) أو (الترقيع)، فكل مرفق من مرافق ما يسمى بالدولة المصرية الهلامية يؤكد أنه لا سبيل للترقيع في أي مرفق أو سلطة، وأن المغفلين الذين بكوا على (الجدار الأخير) في (جسد الدولة المصرية) لم يكونوا إلا (بلية تافهة) في خرطوش يتم إطلاقه على الجميع…
إن الحالة المصرية لم يعد يصلحها إلا بيريسترويكا جذرية يتضافر فيها الشرعي والقانوني والفني لإنتاج استراتيجية إدارة الفوضى وما بعدها…
التعليقات